للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شُريح (١) أنه قال: جاء محمدٌ يمنعُ الحَبْسَ؛ فليس مرادهما وقف المسلمين [بل المراد حبس الجاهلية السَّوائب ونحوها، وكيف يقال ذلك في أوقاف المسلمين] (٢) وقد أذِنَ فيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وماتَ وهي باقيةٌ، وفعلها أكابر الصحابة بعده! على أنّه لو كان مراد ابن عباس وشُريح ذلك ما قام بقولهما حُجَّةً على فرض عدم معارضته لما ثبت عن الشارع، فكيف وهو معارضٌ له! ثم أنّ ابن عباس قد أحال على سورة النساء، وليس فيها ما يمنع [١أ] من هذا.

والحاصل أنّ الوقف قُرْبَةٌ (٣) من القُرُبات، وصدقة من الصدقات. ومشروعية مطلق الصدقة مُجمعٌ عليه، والوقف صدقة لها وجه خصوصية يرفع من شأنها، وهو كونُها جاريةً لورود الترغيب في ذلك، وقد وقع النِّزاع في لزوم استمرار التحبيس، وعدم جواز نقضِهِ. ومن أهل العلم من زعم أنّه تأويل صدقة جارية، وفي تأويل احتبس أدراعَه، وأعتده في سبيل الله، والإنصافُ لزومُ الاستمرار، وأنّه مُستفادٌ من هذه العبارات، وما قيل من أنّ حسّأن باع نصيبَه من بيرَحاء التي وقفها أبو طلحة فيجاب أولاً أنَّه لا حجَّة في


(١) قال الترمذي في "السنن" (٣/ ٦٦٠): "لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافًا في جواز وقف الأرضين".
وجاء عن شريح أنّه كره، وروى الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٩٦) عن عطاء بن السائب قال: سألت شُريحًا عن رجل جعل داره حبسًا على الآخر فالآخر من ولده، فقال: وإنما أفضي ولست أفتي قال فناشدته. فقال: لا حبس على فرائض الله.
وانظر: "المغني" (٨/ ١٨٥) حيث قال ابن قدامة: ولم ير شريح الوقف. وقال: لا حبس عن فرائض الله. قال أحمد: وهذا مذهب أهل الكوفة، وذهب أبو حنيفة أن الوقف لا يلزم بمجرده وللواقف الرجوع فيه، إلا أن يوصي به بعد موته، فيلزم، أو يحكم بلزومه الحاكم. وحكاه بعضهم عن عليِّ وابن مسعود وابن عباس.
(٢) زيادة من نسخة أخرى.
(٣) انظر "المغني" (٨/ ١٨٢).