للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعلِه. وثانيًا أنه قد أُنكر عليه ذلك كما ثبت في الصحيحين (١) وغيرهما (٢) أنَّه لمَّا باعَ قيل له: أتبيعُ صدقة أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيعُ صاعًا من تمرٍ بصاعٍ من ذهب؟ وما قيلَ من أنَّ الإنكارَ ليس لكونِ البيعِ ممنوعًا بل لكونِ المالِ جيّدًا فتعسُّفٌ؛ فإنه قيل له أتبيعُ صدقة أبي طلحة؟ ولم يقل [له] (٣): أتبيعُ هذا المال الجيِّد. ولكن ينبغي أن يُعلمَ أنَّ هذا في الأوقافِ (٤) التي يَغْلِبُ الظنُّ أنها لم تُفعلْ إلاَّ لقصدِ القُربةِ، متجرِّدةً عن المقاصدِ الفاسدةِ، والأغراضِ الدنيويةِ؛ وذلك كأوقافِ المشهورينَ بالعلم والصّلاح.

فإن قلتَ: لِمَ لا [يُكتفى] (٥) بالحملِ على الظاهر من دون اعتبارِ غلبة الظنّ؟


(١) البخاري في صحيحه رقم (٢٧٥٨) ومسلم رقم (٩٩٨).
(٢) كأحمد (٣/ ١٤١).
وهو من حديث أنس بن مالك قال: لما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} جاء أبو طلحة إلى رسول الله فقال: يا رسول الله يقول الله تبارك وتعالى في كتابه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاء ـ قال وكانت حديقةً كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخلها ويستظلُّ بها ويشرب من مائها ـ فهي إلى الله عز وجل وإلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرجو برّه وذخره، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بخ يا أبا طلحة ذلك مال رابح قبلناه منك ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين".
فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه. قال وكان منهم أبيُّ وحسّان قال وباع حسّان حصتُه منه من معاوية فقيل له: أتبيع صدقة أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيع صاعًا من تمر بصاعٍ من دراهم؟ قال وكانت تلكالحديقة في موضع قصر بني حُديلة الذي بناه معاوية".
(٣) زيادة من نسخة أخرى.
(٤) قال الحافظ في "الفتح" (٥/ ٣٨٨): قوله "باع حسان حصته من معاوية" هذا يدل على أن أبا طلحة ملّكم الحديقة المذكورة، ولم يقفها عليهم إذ لو قوفها ما ساغ لحسان أن يبيعها، فيعكر على من استدل بشيء من قصة أبي طلحة في مسائل الوقف إلا فيما لا تخالف فيه الصدقة الوقف. ويحتمل أن يقال شرط أبو طلحة عليهم لما وقفها عليهم أن من احتاج إلى بيع حصته منهم جاز له بيعها، وقد قال بجواز هذا الشرط بعض العلماء كعلي وغيره ... ".
(٥) في المخطوط: (يقتضي) والصواب ما أثبتناه.