للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظنِّ بصاحبه أنَّه للقُرْبة المتجددة عن القاصد الفاسدة ـ أو حكم به حاكمٌ مُعتبرٌ له مزيدُ إدراك في أمرين:

أحدُهُما: العِلْمُ؛ فإنَّ مَنْ لم يُطَوِّل الباع في فنونه لا يُوثَقُ بحكمه في الصحَّة والبُطْلان، لأَنَّه قد يَخْفَى عليه ما هو عند مَن هو أعْلَى كعبًا منه من موانعِ الصحّةِ (١).

الأمرُ الثاني: جَوْدَةُ التَّفَرُّسِ، وصدقُ الْحَدْسِ، ومعرفةُ المقاصدِ، وممارسةُ الأحوالِ


(١) قال الشوكاني في "السيل الجرار" (٣/ ٥١ - ٥٢): هذا الوقف الذي جاءت به الشريعة، ورغب فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله أصحابه هو الذي يُتقرب به إلى الله عزَّ وجلّ حتى يكون من الصدقة الجارية التي لا ينقطع عن فاعلها ثوابه. فلا يصح أن يكون مصرفه غير قُربة، لأن ذلك خلافُ موضوع الوقف المشروع لكن القرية توجد في كل ما أثبت فيه الشرعُ أجرًا لفاعله كائنًا ما كان، فمن وقف مثلاً على إطعام نوع من أنواع الحيوانات المحترمة كان وقفه صحيحًا لأنه قد ثبت في السنة الصحيحة: "أنّ في كل كبدٍ رطبة أجرًا" ومثل هذا لو وقف على من يُخرج القذاة من المسجد، أو يرفع ما يؤذي المسلمين في طرقهم، فإن ذلك وقفٌ صحيح لورود الأدلة الدالةِ على ثبوت الأجر لفاعل ذلك فقِسْ على هذا غيره مما هو مساوٍ له في ثبوت الأجر لفاعله.
وما هو آكد منه في استحقاق الثواب، وأما الأوقاف التي راد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل، ومخالفة فرائض الله عز وجل فهو باطل من أصله لا ينعقد بحال. وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم وما أشبه ذلك فإن هذا لم يرد التقرب إلى الله بل أراد المخالفة لأحكام الله عز وجل. والمعاندة لما شرعه لعباده. وجعل هذا الوقف الطاغوتيّ ذريعةً إلى ذلك المقصد الشيطانيّ، فليكن هذا منك على ما ذكر فما أكثر وقوعه في هذه الأزمنة وهكذا وقف من لا يحمله على الوقف إلا محبةُ بقاء المال في ذريّته وعدم خروجه عن أملاكهم فيقفه على ذريته فإن هذا إنما أراد المخالفة لحكم الله عز وجل، وهو انتقال الملك بالميراث وتفويض الوارث في ميراثه فيتصرف به كيف يشاء وليس أمر غناء الورثة ولا فقرهم إلى هذا الوقف بل هو إلى الله عز وجل. وقد توجد القُربة في مثل هذا الوقف على الذرية نادرًا بحسب اختلاف الأشخاص فعلى الناظر أن يمعن النظر في الأسباب المقتضية لذلك.
من هذا النادر أن يقف على من تمسك بطرق الصلاح من ذريته أو اشتغل بطلب العلم فإن هذا الوقف ربما يكون المقصد فيه خالصا والقربة متحققة والأعمال بالنيات ولكن تفويض الأمر إلى ما حكم الله به بين عباده وارتضاه لهم أولى وأحق.
وانظر: "المغني" (٨/ ١٨٥).