للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المختلفةِ؛ فإنَّ من لم يكن كذلك وإن تبَحَّرَ في المعارف ربَّما انخدع بأدنى تلبيس، ونفق عنده ما يقارِبُهُ من التَّدليس، فإذا كان جامعًا للأمرين، وحكم بصحة الوقف، أو بملزومِ الصحّة، وهو القُربةُ لم يحتج مَن يأتي بعدَه يُشغِلَ نفسَه فيعرّف أحوال ذلك الوقف.

والحاصلُ في كلّ وقفٍ من الأوقاف التي أشرْنا إليها عدمُ القُرْبَة حتى تظهر القربة، [أوما] (١) يَحْكُمُ على الصفة المذكورة، أو يبحث فيما لا حُكمَ فيه، حتَّى يغلبَ مع الظنِّ وجودُ قصدِ القُرْبَةِ، وعند ذلك لم يحلُّ نقضُ التَّحبيس إلاَّ لأسبابٍ قد ذَكَر أهلُ الفروعِ منها أربع، فَلْنَذْكُرْ ههنا ما نُرجّحُهُ، فمِنها أن يبلُغَ الحالُ بالموقوفِ عليه إلى حدِّ لو لم يقع البيعُ [٢أ] ذهب كمَنْ يقفُ على مسجدٍ ثم أشرفَ على الانهدام (٢)، ولم يوجَدْ له ما يقومُ بإصلاحِهِ غيرُ الوقفِ الذي عليهِ؛ فإنَّ ذلك مُسوّغٌ للبيع. والوجْهُ أنَّ الواقف لم يقصد بالوقف عليه إلاَّ استمرار حياته، ودوام عمارته حقيقةً ومجازًا، فإذا تُرِكَ انهدَم، وإذا انهدمَ زال الغَرَضُ المقصودُ من الوقفِ عليه، وهذا معلومٌ من مراد كلِّ واقفٍ، وكذا


(١) زيادة من نسخة أخرى.
(٢) قال ابن قدامة في "المغني" (٨/ ٢٢٠ - ٢٢١): مسألة: وإذا خرب الوقف، ولم يَرُدّ شيئًا، بيع واشترى بثمنه ما يردّ على أهل الوقف، وجعل وقفًا كالأول، وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع، واشترى بثمنه ما يصلح للجهاد.
وجملةُ ذلك أن الوقف إذا خرب، وتعطلت منافعه، كذار انهدمت أو أرضٍ خربت، وعادت مواتًا، ولم تمكن عمارتُها، أو مسجد انتقل أهل القرية عنه، وصار في موضع لا يصلى فيه، أو ضاق أهله، ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلاَّ ببيع بعضه، جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته، وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه.
وقال مالك والشافعي لا يجوز بيع شيء من ذلك لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يباع أصلُها، ولا تبتاع، ولا توهب، ولا تورث" تقدم تخريجه.
ولأنَّ ما لا يجوز بيعه مع بقاء نافعه، لا يجوز بيعه مع تعطّلها، كالمُعْتِق والمسجد أشبه الأشياء بالمُعْتَقِ.
انظر: الرسالة رقم (١٢٩).