إذا كانَ الموقوفُ عليه آدميًا مُعيَّنًا، أو جماعةً مُعيَّنين لم يذكر الواقف غيرَهُم من أولادهم، وبلغُوا في الفاقة إلى حدِّ خُشِيَ عليه التَّلفُ، فإنَّ البيعَ يَسُوغُ حينئذٍ.
وأمَّا إذا كان الوقف على بطنٍ، ثم كذلك فحصل مع أحد البطون من الفاقة ما يُخشى عليهم فيها الهلاكُ فإنْ كان هلاكُهُم مُستَلْزِمُ بطلان حدوث الذرية منهم مثل أن يكونوا جماعةً مُعيّنينَ لم يكن لهم ذرّية حينئذٍ أو كان معهم ذرّيةٌ يُخْشى هلاكُها بهلاكهم، فلا ريب أنه يجوز إبطال الوقف وإن كان معهم ذرية لا يخشى عليه الهلاك بهلاكهم فربَّما يقالُ أنَّ الواقفَ قصدَ بالوقفِ الصَّدقة الجارية التي ورد الترغيب فيها، فبيعُه لخشية هلاك بعض البطون مفوِّتٌ لِغَرَضِهِ، لأنَّ أولئك إذا هلكُوا خلفَهم بطنٌ آخرُ ينتفعونَ بذلك الوقف، ثُم كذلك وخشية هلاك بعض البطون لا يستلزمُ أنَّ مَن بَعْدَهُم من البطون كذلك، لأنَّ الأزمنة تختلف، فقد يحصل في بعض الأزمنة من غِلاَّتِ الوقف ما يقوم بكفاية الموقوف عليهم، فلا يُخشى عليهم الهلاك، وقد يتحصل لهم الأرزاق من وجهٍ آخر ما يكون بانضمامه إلى الوقف معينًا لهم، فحينئذٍ قد لا يُجوز طيبة نفس الواقف بانقطاع الصدقة الجارية الواصل إليه ثوابها، ما دامت كذلك، بسبب خشية هلاك فرد، أو جماعة مُعيَّنين.
وقد يجوزُ طيبة نفس الواقف بانقطاع الصدقة الجارية لاغنتام هذه الفرصة التي لا يقادَرُ قدَرُها؛ وهي حفظُ حياة نفس أو نفوس، ولا سيّما إذا كان الموقوف عليهم الأولاد، فأولادهم؛ فإنَّ الواقف قد يفتدي نفس الواحد بجميع الدنيا لو كانت في يده، فضلاً عن جُزءٍ يسير وصل إليه منها، ويلحقُ بهذا لو لم تبلغ الفاقة بالموقوف عليهم إلى حدِّ خشية الهلاك، إنما بلَغَ به الحالُ إلى الفَقْرِ المُدْقِعِ [٢ب]، وتكَفُّف الناس، ورِثَّة اللِّباس، وأعوازِ ما لا بدَّ منه من الطعام والشراب في بعض الحالات، والوصول إلى حدٍّ يرقُّ له الشَّامِتُ، ويبكي له الرَّاحمُ. وفي قيمة ذلك الوقف إغناء ومُستمتعٌ؛ فهذا أيضًا وإن كان دونَ الأُول فهو لا يمنع أن يقال: ربَّما كان في سدّ فاقته من الأجر المتتابع ما لو علم به الواقف لآثره على جريان تلك الصدقة، ولا سيَّما إذا كان من الأولاد، وأولاد الأولاد؛ فإنه لو فُرِضَ مشاهدةُ الواقف لهم على تلك الحال