للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يؤثر أجر استمرار الصدقة [٣أ] الجارية، وثواب الانتفاع بوقفه من البطون التي تأتي بعد هذا البطن الذي أصابته الحاجة، وكيف يسمح بانقطاع الخير الواصل إليه بمجرَّد توفير غرض غيره، وصونه عن ذلك الفقر، واستكانة الحاجة، وضراعة الفاقة، وخضوع القلّة، ولا يقول نفسي نفسي! وقد قال هذه المقالة (١) ذلك الجمع الجم من الأنبياء والمرسلين، وكيف تلتحق هذه الخشية على الموقوف عليه مع وجودا لفرق الذي يتبلَّج وجهُهُ، فإنَّ خشْيَةَ هلاك الموقوف عليه كالمسجد، والمعيَّن من المسلمين، ومصالحهم يستلزم انقطاع ثواب تلك الصدقة الجارية باعتبار الأمر المفعول لأجله، بخلاف ما نحن بصدده فلا خشية هلاك ولا انقطاع.

فإن قلت: هذه مسألة السؤال، وقد سُقْتَ في شأنها هذه الأحوال، فماذا الذي لديكَ؟ فإنَّ هذه ثمرةُ التَّعويلِ عليكَ.

قلتُ: الذي أراده عدم الجَزْمِ بأَمْر مُعيَّن، بل يُفوَّضُ الأمرُ إلى الحاكم المعْتَبَرُ بعد أن تُعْرَض على [عقلِهِ] (٢) هذه الأحوال، [ويحيط بما سُقناه من القال، فإن الأحوال] (٣) تختلف باختلاف الأشخاص، ولكن مع قصر النَّظر على الموزنة بين أجر التعجيل الموفّر لكونه بالرَّقبة مع شدَّة الحاجة وبين أجر الاستمرار مع بقاء الرَّقبة، وإنّما قلنا هذا لأن الحكم على ميِّت قد صار بين أطباق الثَّرى؛ فإنه لا بُدّ يسألُ عن حرمةُ الثَّواب الواصل إليه فيم حرمه؟ ولم قطع الصداقة الواصل ثوابها إليه، ولا ينفع الجواب إلاَّ بما يرْجُحُ في موازين الحساب، لا بما يصفه الأحياء من أنَّ ذلك لو كان حيًّا لفَعل؛ فإنَّه بموطنٍ


(١) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (٣٣٤٠، ٣٣٦١، ٤٧١٢) ومسلم رقم (٣٢٧/ ١٩٤) الترمذي رقم (٢٤٣٤) وأحمد (٢/ ٤٣٥ - ٤٣٦) من حديث أبي هريرة" ... يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعد مثله، وإنّه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح ".
(٢) زيادة من نسخة أخرى.
(٣) زيادة من نسخة أخرى.