للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد طاحتْ عنه مراعاةُ المروءة، وذهبت عنه المحافظات على ما تُوجِبُهُ الحميَّات، وأنا إلى الآن لم أزل مضطربًا بين أطراف هذا الكلام، مُتردِّدًا إن تصوَّرتُ حقيقة بين الإقدام والإحجامم، وقد نقضتُ وأبرمتُ بحسبِما يقتضيه الحال، وراجيًا من الله عدم المؤاخذة لاستفراغ وُسعي في كلا الطرفين.

وقد يعرض بعد التنفيذ ما يوقع في الحيرة والندامة فأداويه بمرهم دلَّ عليه المختار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وهو ما صحَّ عنه "أنَّ الحاكم إذا اجتهد فأصاب فلَهُ أجران" (١) وفي رواية: جرَّبْتُهُ في الشِّفاء من التهاب [٣ب] الأسف على ما فرَّط، وهو أنَّ القصد بهذا الاجتهاد هو باعتبار الوقت الذي وقع فيه النَّقض والإبرام، لا باعتبار ما بعدَهُ، ولو كان كذلك لما صحَّ اجتهادُ المجتهد إلاَّ عند آخر جُزْءٍ من حياتِهِ؛ لأنَّ تجويزَ تصيير الرَّاجح مرجوحًا، أو المرجوح راجحًا لا ينقطعُ ما دامت الحياةُ. وهنا يستلزم ألاَّ يُنجز حكمٌ من أحكام الشريعة من حاكمٍ، ولا مُفتٍ، وهو باطلٌ إجماعًا وعقلاً ونقلاً، ولِنُتمَّ الكلام في بقيةِ المقتَضَيَاتِ للنَّقض باعتبار ما لديّ كما ذكرتُه سابقًا، وإن كان ذلك خارجًا عن سؤال السائل، فهو لا يخلُو عن فائدة.

وقد أشار ـ حفظه الله ـ في آخر الأسئلة أنَّ المجيب يتكلَّمُ على ما يقتضيه المقامُ ممَّا له دَخْلٌ، وعلى ما يتفرَّعُ عليه ممَّا لا يقتضيه، فما وقع في بعض هذه الأجوبة من الاستطراد هو من باب الامتثال لِما رسَمه، فَمِن جُمْلَةِ المقتضياتِ للنقض إذا بلغَ الوقفُ نفسه إلى حالٍ إذا لم يُستدرك عندَها بالبيع أو المعارضة بطل الغرض المقصودُ منه كُلاًّ أو بعضًا؛ فإنه يسوغ بيعُ الكُلِّ إذا كان بيع البعض لا يقومُ بالإصلاح (٢)، ويسوغ بيعُ البعضِ إذا


(١) تقدم مرارًا.
(٢) تقدم ذكره.
انظر الرسالة (١٢٩)، "المغني" (٨/ ١٩٥).