للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُقْضَى من دَيْنِ بني آدَم (١).

وحاصلُ الكلام أن يقالَ: نحن نمنعُ أن يكون فعلُ الحجِّ من غير القريب بأُجرةٍ أو غيرِها مجزيًا، فضلاً عن أن يكون حقًّا من حقوق الله يجبُ قضاؤه، فلا يتمُّ إدراج مثل ذلك في حديث: "فَدَيْنُ الله أحقُّ أن يُقْضَى" إلاَّ بعد إثبات أنه يجري، وإثبات أنه دَيْنٌ من ديون الله التي يجب قضاؤها ببرهانٍ صحيح، لا بمجرد القياسات التي لا تقوم بها حُجَّةٌ، والمناسبات التي ليست من الأدلة في وِرْدٍ ولا صَدْرٍ، فمن جاءنا بالحُجَّةِ المقبولة فيها ونِعْمَتْ، ومن لم يأت بذلك فلا يُتْعِبْ نفسَه، ويتعب عباد الله بما لم يَشْرَعْهُ الله، ولا أوجبه [٢أ]. وقد ظهر بما كرنا الجواب عن السؤال الأول، والسؤال الثاني من الثلاثة الأسئلة المتقدمة.

وأما الجواب عن السؤال الثالث: وهو هل يلحق الإنسن ما فعله غيره من القرب؟ أم لك مختصٌّ ببعض القرب، وببعض الأشخاص؟

فنقول: اعلم أنّ العمومات القرآنية كقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (٢) ونحو هذه الآية قد أفاد أنه يكون للإنسان شيءٌ من العمل إلاّ ما هو من سعيه، وقد خُصِّصَ هذا العمومُ بمخصَّصاتٍ.

فمنها ما تقدم من حج القريب (٣) عن قريبه.

ومنها ما ثبت في الصحيح (٤) من قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "من مات


(١) قال ابن قدامة في "المغني" (٥/ ٢٣): وفي الاستئجار على الحجِّ والأذان، وتعليم القرآن والفقه، ونحوه ممّا يتعدّى نفعه، ويختصّ فاعله أن يكون من أهل القربة روايتان:
إحداهما: لا يجوز، وهو مذهب أبي حنيفة، وإسحاق.
الأخرى: يجوز. وهو مذهب مالك والشَّافعي وابن المنذر.
وانظر: "مجموع الفتاوى" (٢٦/ ١٤ - ١٧).
(٢) [النجم: ٣٩].
(٣) وهو حديث صحيح. وقد تقدم.
(٤) وهو حديث صحيح. وقد تقدم.