للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك لأنَّ الأمر بالتسوية عامٌّ فلا يجوز تخصيصُه إلاَّ بمخصِّص، ولم يرِدْ ما يدلُّ على جواز تخصيصِ البارِّ بشيء دون غيرِه، وكيف يسوغُ ذلك وهذا التخصيصُ هو سبب العقوق! وقد أشار إلى ذلك رسولُ الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ حيث قال في سياق أمرِه اللبشير بالتسوية: "إن أحببتَ أن يكونوا لك في البِرِّ سواء" (١)، فأرشَد ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ إلى أن عدمَ التسوية تسبَّبُ العقوق والقطيعة.

ثم أورد الإمام أحمدُ بن سليمان هذا الحديثَ بلفظ آخَرَ من حديث ابن عباس فقال: (خبرٌ): وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "سَوُّوا بين أولادكم في العطيَّة، فلو كنتُ مفضِّلاً فضَّلْتُ البناتِ" (٢). قال الإمام أحمد بن سليمان ـ بعدهذا السياق ـ ما لفظُهُ: دل على ما قلناه، ولا خلاف في هذا بين العلماء، وإنما اختلفُوا في كيفية التسوية، فذهب أبو يوسُفَ إلى أنه يساوي بين الأنثى والذكر في العطية، وقال محمد: يجب أن يسوَّى بينهم على حسبِ المواريث: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (٣)، ولا نصَّ ليحيى في هذ الاَّ أن مسائلَة تدل على أن التسوية بحسب المواريث ما ذهب إليه محمدٌ، ووجهه أنه لو ماتَ ولم يُعط لاستحقُّوا المالَ على هذا السبيل انتهى.

فانظر كيف حكى إجماعَ العلماء على ما دلّ عليه [٢أ] الحديثُ من التسوية، ثم


(١) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(٢) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ١٧٧) ومن طريقة الطبراني في "الكبير" (١١/ ٣٥٤ رقم ١١٩٩٧).
وأورده الهيثمي في "المجمع" (٤/ ١٥٣) وقال: وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث قال عبد الملك بن شعيب ثقة مأمون ورفع من شأنه وضعفه أحمد وغيره.
وقال الحافظ في "الفتح" (٥/ ٢١٤) إسناده حسن.
وضعفه في التلخيص (٣/ ٧٣). وكذلك المحدث الألباني في الإرواء (٦/ ٦٧).
(٣) [النساء: ١١].