للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتعظيم، والذبح، والتقرب من أنواع العبادة. ومن ذلك قوله:} وإياك نستعين {(١) فإن تقدم الضمير هاهنا يفيد الاختصاص كما تقدم، وهو يقتضي أنه لا يشاركه غيره في الاستعانة به في الأمور التي لا يقدر عليها غيره.

فهذه خمسة مواضع في فاتحة الكتاب يفيد كل واحد منها إخلاص التوحيد، مع أن فاتحة [٥٣] الكتاب ليست إلا سبع آيات، فما ظنك بما في سائر الكتاب العزيز!، فذكرنا لهذه الخمسة المواضع في فاتحة الكتاب كالبرهان على ما ذكرناه من أن في الكتاب العزيز من ذلك ما يطول تعداده، وتتعسر الإحاطة به. ومما يصلح أن يكون موضعا سادسا لتلك المواضع الخمسة في فاتحة الكتاب قوله تعالى:} رب العالمين {. وقد تقرر لغة وشرعا أن العالم لمن سوى الله -سبحانه-.

وصيغ الحصر إذا تتبعتها من كتب (٢) المعاني والبيان والتفسير والأصول بلغت ثلاث عشرة (٣) صيغة فصاعدا، ومن شك في هذا فليتتبع كشاف الزمخشري، فإنه سيجد فيه


(١) [الفاتحة:٥].
(٢) انظر الكوكب النير (٣/ ٥١٥) ومعترك الأقران في إعجاز القران (١/ ١٣٦).
(٣) الحصر: وجه من وجوه إعجاز القرآن. وهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص، ويقال أيضًا إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه.
ينقسم إلى قصد الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على الموصوف، وكل منهما إما حقيقي وإما مجازي، مثال قصر الموصوف على الصفة حقيقيا نحو ما زيد إلا كاتب، أي لا صفة له غيرها، وهو عزيز لا يكاد يوجد. لتعذر الإحاطة بصفات الشيء، حتى يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلية وعلى عدم تعذرها يبعد أن يكون للذات صفة واحدة ليس لها غيرها، ولذا لم يقع في التنزيل.
ومثاله مجازيا: (وما محمد إلا رسول) [آل عمران: ١٤٤]، أي مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الموت الذي استعظموا، إنه شأن الإله. ومثال قصر الصفة على الموصوف حقيقيا: لا إله إلا الله. ومثاله مجازيا: (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة) [الأنعام:١٤٥].
وينقسم الحصر باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام:
١ - \ قصر إفراد: يخاطب به من يعتقد الشركة، نحو: (إنما الله إله واحد)، [النساء: ١٧١].
٢ - \ قصر قلب: يخاطب به من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له. نحو (ربي الذي يحيي ويميت) [البقرة: ٢٥٨]، خوطب به نمرود الذي اعتقد أنه المحيي والمميت دون الله.
٣ - \ قصر تعيين: يخاطب به من تساوى عنده الأمران فلم يحكم بإثبات الصفة لواحد بعينه ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها.
وطرق الحصر كثرة:
١ - \ النفي والاستثناء سواء كان النفي بلا أو ما أو غيرهما. والاستثناء بإلا أو غير نحو: لا إله إلا الله، وما من إله إلا الله. (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به) [المائدة: ١١٧].
٢ - \ (إنما) عند الجمهور أنها للحصر (إنما حرم عليكم الميتة) [النحل: ١١٥]. وقال لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلا للحصر. (قال إنما العلم عند الله) [الأحقاف: ٢٣]. (قل إنما علمها عند ربي) [الأعراف: ١٨٧].
٣ - \ (أنما) بالفتح: عدها من طرق الحصر الزمخشري والبيضاوي. قال تعالى: (قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) [الأنبياء: ١٠٨]. وقد اجتمع الأمران في هذه الآية (إنما، أنما) وفيه الدلالة على أن الوحي إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقصور على استئثار الله بالوحدانية.
٤ - \ العطف بلا أو بل، ذكره أهل البيان - زيد شاعر لا كاتب.
٥ - \ تقدم المعمول نحو:} إياك نعبد {[الفاتحة:٥].
٦ - \ ضمير الفصل نحو: (فالله هو الولي)، [الشورى: ٩]. (وأولئك هم المفلحون) [لقمان: ٥].
٧ - \ تقديم المسند إليه -يكود معرفة ومثبتا-. قال تعالى: (بل أنتم بهديتكم تفرحون) [النمل: ٣٦]. وقال تعالى: (لا تعلمهم نحن نعلمهم) [التوبة: ١٠١] أي لا يعلمهم إلا نحن.
- المسند منفيا: (فهم لا يتساءلون) [القصص: ٦٦].
- المسند نكرة: لا امرأة، للجنس، وللوحدة لا رجلان.
- أن يلي المسند إليه حرف النفي فيفيده نحو: ما أنا قلت هذا. قال تعالى: (وما أنت علينا بعزيز) [هود: ٩١]. وقال تعالى: (أرهطي أعز عليكم من الله) [هود: ٩٢].
٨ - \ تقديم المسند، ذكر ابن الأثير وابن النفيس وغيرهما أن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد الاختصاص.
٩ - \ ذكر المسند إليه، صرح بذلك الزمخشري. قال تعالى: (الله يبسط الرزق) [الرعد: ٢٦]. قال تعالى: (الله نزل أحسن الحديث) [الزمر: ٢٣].
١٠ - \ تعريف الجزأين: ذكره فخر الدين الرازي في "نهاية الإيجاز".
مثال الحمد لله يفيد الحصر كما في (إياك نعبد). أي أن الحمد لله لا لغيره.
١١ - \ نحو: جاء زيد نفسه. نقله شراح التلخيص أنه يفيد الحصر.
١٢ - \ نحو: إن زيد القائم.
١٣ - \ نحو: قائم - في جواب زيد إما قائم أو قاعد. ذكره الطيبي في شرح البيان.
انظر: معترك الأقران في إعجاز القرآن (١/ ١٣٦ - ١٤٢).