للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من التقوى. ولكنه شبه عليه الأمر، فظن لجهله أن الشريعة المطهرة هي ما يحفظه بعض الممارسين للخصومات من تلك القوانين التي قد وقع الاصطلاح عليها، قأقدم على الحكم إقدام من جهل الحكم الشرعي وجهل أنه جاهل به، وهذا القاضي لا فرق بينه وبين من يتكسب بالوكالة للخصوم في ديارنا هذه، فإن من كان من المتخاصمين غير قادر على الخصومة يقصد رجلاً من الممارسين للخصومة فيجعله وكيلاً له، ويسلم له أجرًا؛ لأنه ظن أن ذلك الوكيل يعرف الشريعة، وأنه سيكفيه مؤونة الخصام؛ فلهذا بذل له ماله وألقى إليه مقاليد أمره، وذلك الوكيل قد ظن أن الشريعة هي تلك المسالك الاصطلاحية التي قد مارسها وتمرن فيها، فصدر نفسه للوكالة، وتكلم في مواقف الخصام بملء فيه، كما ظن ذلك القاضي الجاهل بأنه قد علم بالشريعة المطهرة بمجرد حضوره في مواقف الخصام قبل أن يصير قاضيًا، أو بمجرد اطلاعه على مختصر من المختصرات المدونة في هذا الشأن، ولو رجع إلى عقله واستعان بفهمه، لعَلِمَ [٣ب] أن الشريعة المطهرة هي ما شرعه الله في محكم كتابه وعلى لسان رسوله، وأنه لا يعرف ذلك، فإنه لو قال له قائل: هل قرأت العلوم التي يتوقف معرفة كلام الله وكلام رسوله على معرفتها؟ لقال: لا، ولو قال له قائل: هل تروي سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عن شيوخها العارفين بها، وهل قعدت بين أيديهم، وسمعت منهم متونها وأسانيدها، واستوضحت معانيها؟ لقال: لا، ولو قال له قائل: هل أخذت علم تفسير كتاب الله عن شيوخه العارفين به؟ لقال: لا، فلم يبق حينئذ إلا أن يقول: حضرت مواقف الخصومة لدى القاضي الفلاني، فرأيته يصنع كذا، وسمعته يقول كذا، أو حضرت في قراءة المختصر الفلاني ففهمت منه كذا، وعرفت منه كذا.

فإذا قيل له: هل تعلم أن هذا الذي كان يفعله القاضي الفلاني أو رأيته في المختصر الفلاني هو حكم الله الذي شرعه لعباده، وعلى لسان رسوله فلا بد أن يقول: لا أدري؛ لأن المفروض أنه جاهل به، بل لو كان من المقلدين الممارسين لكتب التقليد ممارسة طويلة لم يقدم على هذه المقالة؛ لأن المفروض أنه مقلد، والمقلد هو من يقبل قول