للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على رأي من يعرف الكتاب والسنة حتى يصح قوله: إنه لم يجد ذلك الحكم في كتاب الله، ولا في سنة رسوله، فأما رأي من لم يجهد نفسه بالبحث عن الدليل في الكتاب والسنة على فرض أنه يقدر على ذلك فهو باطل لا يلزم المتخاصمين قبوله، ولا يحل لأحد من قضاة المسلمين تقريره، وأما رأي القاصر الذي لا يعرف كتابًا ولا سنة فليس هو الرأي المذكور في الحديث، بل هو طاغوت بحت وجاهلية خالصة.

وهذا القاضي هو أحد القاضيين اللذين هما في النار بنص (١) رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لأنه لا يدعي أن ما حكم به هو ما شرعه الله لعباده في محكم كتابه وعلى لسان رسوله؛ إذ هو مقر بأنه لا يعرف إلا مجرد ما قاله فلان دون دليله، ولا يدعي أيضًا أن ذلك الرأي الذي حكم به هو في قضية لم توجد في الكتاب ولا في السنة؛ لأنه لا يصح الحكم منه بالعدم إلا بعد علمه بما حكم بالعدم عليه، وأنه [٧أ] لا يعلمه؛ لأن الإعدام إنما تعرف بالملكات، ومن يقر على نفسه بأنه لا يدري بكتاب ولا سنة، كيف يدعي أن ما حكم به غير موجود فيهما!.

فالحاصل أنه إن كان ما حكم به حقًا مطابقًا للشريعة فهو قد حكم بالحق، وهو لا


(١) يشير الحديث الذي أخرجه أبو داود رقم (٣٥٧٣) والترمذي في " السنن " رقم (١٣٢٢) وابن ماجه رقم (٣٣١٥) والنسائي في " السنن الكبرى " (٣/ ٤٦١ رقم ٥٩٢٢/ ١). والحاكم في " المستدرك " (٤/ ٩٠) وقال: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله: " قلت: ابن بكير الغنوي منكر الحديث ".
قال الألباني في " الإرواء " (٨/ ٢٣٦): " وشيخه حكيم بن جبير مثله أو شر منه، فقال فيه الدارقطني: متروك، ولم يوثقه أحد، بخلاف البغوي، فقد قال الساجي: " من أهل الصدق، وليس بقوي. وذكر له ابن عدي مناكير، وهذا كل ما جرح به. وذكره ابن حبان في الثقات ".
فقول الذهبي: " منكر الحديث لا يخلو من مبالغة، وقد قال في " الضعفاء " ضعفوه ولم يترك ".
وخلاصة القول أن الحديث صحيح، والله أعلم.
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار ".