للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعلم بأنه الحق، وهو أحد قاضيي النار، وإن حكم بغير الحق عالمًا بأنه غير الحق، أو جاهلاً أنه غير الحق، فهو أيضًا القاضي الآخر من قضاة النار، فهو لا يخرج عن كونه في النار على كل تقدير، فانظر في هذا بعين الاعتبار؛ لتعلم ما في قضاء المقصرين من الخطر العظيم، فإن القضاة المقصرين إن كانوا يعلمون بالحديث المصرح بأن القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فقد تهافتوا في النار تهافت فراش عمدًا، وإن كانوا يجهلونه فذلك غير نافع لهم، فإنه يجب عليهم أن يتعلموا العلم، خصوصًا مثل هذا الحديث الذي يخصهم، أعني القضاة، فتفريطهم في العلم به مع توثبهم على التسمي بالقضاة ومباشرة ما يباشره القضاة لا يكون عذرًا لهم، وهذا الحديث قد اتفق على إخراجه أهل السنن (١)، والحاكم (٢)، والبيهقي (٣) من حديث بريدة، وله طرق غير هذه، جمعها الحافظ ابن حجر في جزء مفرد كما قال في التلخيص (٤): فهؤلاء القضاة المقصرون ليسوا بأهل للحكم بنص الكتاب والسنة؛ لأنهم لا يتعقلون الحجج الشرعية، فكيف يكونون أهلاً للحكم بمحض الرأي الذي لا مستند له من كتاب ولا سنة! فإنه لا رأي لهم، ولا رواية، ولا فهم، ولا دراية، بل هم على عاميتهم التي نشؤوا عليها، وإن ظنوا أنهم قد خرجوا عنها بالاطلاع على بعض أقوال أهل العلم، أو على قول عالم واحد، فإن العلم وراء ذلك كله وظنونهم فاسدة، فإنه إنما يعرف العلم أهله. ومعرفة أسماء العلوم لا تستلزم معرفة المسمى، ومن أنكر هذا فليسأل واحدًا منهم عن حد علم من علوم الاجتهاد، أو فائدته، أو موضوعه، أو غايته، أو مسألة من مسائله، وينظر ما يجد عنده من ذاك. وأما القاضي العالم بالشريعة المطهرة على الوجه الذي قدمنا تحقيقه فهو وإن كان على خطر في مباشرته [٧ب] باعتبار الأحاديث الواردة في الترهيب عن


(١) انظر التعليقة السابقة.
(٢) انظر التعليقة السابقة.
(٣) في " السنن الكبرى " (١٠/ ١١٦ - ١١٧).
(٤) (٤/ ٤٣٠).