قال الشوكاني في " نيل الأوطار " (٥/ ٥٣٧): ولكن هذه الترغيبات إنما هي في حق القاضي العادل، الذي لم يسأل القضاء، ولا استعان عليه بالشقاء، وكان لديه من العلم بكتاب الله وسنة رسوله ما يعرف به الحق من الباطل بعد إحرازه مقدارا من آلاتهما يقدر به على الاجتهاد وفي إيراده وإصداره. وأما من كان بعكس هذه الأوصاف أو بعضها، فقد أوقع نفسه في مضيق وباع آخرته بدنياه؛ لأن كل عاقل يعلم: أن تسلق القضاء وهو جاهل بالشريعة المطهرة جهلاً بسيطًا، أو جهلاً مركبًا، أو من كان قاصرًا عن رتبة الاجتهاد، فلا حامل له على ذلك إلا حب المال والشرف أو أحدهما؛ إذ لا يصح أن يكون الحامل من قبيل الدين؛ لأن الله لم يوجب على من لم يتمكن من الحكم بما أنزل من الحق أن يتحمل هذا العبء الثقيل قبل تحصيل شرطه الذي يحرم قبوله قبل حصوله، فعلم من هذا أن الحامل للمقصرين على التهافت على القضاء والتوثب على أحكام الله بدون ما شرطه ليس إلا الدنيا لا الدين. وقال ابن قدامة في " المغني " (١٤/ ٦) وفيه - أي القضاء - خطر عظيم ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه؛ ولذلك كان السلف - رحمهم الله - يمتنعون منه أشد الامتناع، ويخشون على أنفسهم خطره. قال خاقان بن عبد الله: أريد أبو قلابة على قضاء البصرة، فهرب إلى اليمامة، فأريد على قضائها فهرب إلى الشام فأريد على قضائها وقيل: ليس ههنا غيرك، قال: فأنزلوا الأمر على ما قلتم، فإنما مثلي مثل سابح وقع في البحر، فسبح يومه، فانطلق، ثم سبح اليوم الثاني، فمضى أيضًا، فلما كان اليوم الثالث فترت يداه. وكان يقال: أعلم الناس بالقضاء أشدهم له كراهة. ولعظم خطره قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من جعل قاضيًا فقد ذبح بغير سكين " من حديث أبي هريرة. وهو حديث صحيح أخرجه أحمد (٢/ ٢٣٠، ٣٦٥) وأبو داود رقم (٣٥٧١، ٣٥٧٢) وابن ماجه رقم (٢٣٠٨) والترمذي رقم (١٣٢٥) وقال: حديث حسن غريب.