بحديث معاذ (١) الذي تقدم ذكره، وهو رخصة له تمنع من الإنكار عليه إلا لمن وجد النص كما تقدم تحريره وتقديره. ثم الجزم على حاكم من حكام الشريعة بأنه يعدل إلى الرأي مع وجود النص لا ينبغي أن يقوله إلا من كان يعلم بالشريعة، علمًا يفرق به بين ما هو منها وما هو من غيرها، فإن الحاكم الذي قد رسخ قدمه في الشريعة ربما يترك الاستدلال [١٩أ] على حكمه بأدلة الكتاب والسنة مع كونه متمكنًا من ذلك، قادرًا عليه لقصد الاختصار، أو لقصور كثير من الأذهان عن تعقل الحجة، أو لكونه مبتلى بقوم يعادون ما وجدوه مربوطًا بالأدلة لاعتقادهم أن الصواب ما أدركوا عليه الحكام المقصرين العاجزين عن إيراد الحجج من القضاء بمحض الآراء، وتغليق باب الاجتهاد مع ما قدمنا الإشارة إليه من إيهامهم العامة بأن ذلك الذي يقضون به هو الموافق لقول العالم الفلاني الذي إليه الاعتزاء، ونحو ذلك من الدسائس، فإذا وجد كثير من العامة حكمًا مربوطًا بالأدلة، مشحونًا بالكتاب والسنة اعتقدوا .... أنه مخالف لما يألفونه، فيكون ذلك سببًا لفتحهم باب الاستفتاء لمن يشاركهم في الغالب في مسمى العامية، وإن ظن وظنوا أنه متميز عنهم فهو ظن فاسد؛ فإن الارتفاع عن هذه الطبقة إنما تكون بالعلوم الاجتهادية، أو بالمدارك العقلية، لا بما عداهما.
ولقد تعاظمت المحنة على الإسلام وأهله بقوم نفروا عن الأحكام والفتاوى المستندة إلى نصوص الكتاب والسنة، ويأنسون بالأحكام والفتاوى المنسوبة إلى بعض أفراد الأمة الذين هم مكلفون بالشريعة كغيرهم، ومتعبدون بأحكامها كسائر الناس، وليسوا بشارعين بل متشرعين، ولا متبوعين بل تابعين، وناهيك خسارًا وبوارًا وجهلا بمن يؤثر كلام من هو من جملة المتعبدين بالشرع على كلام من جاء بالشرع فضلا عن أن يسوي بينهما، فضلا عن أن يقدم ما يجب تقديمه. وقد رأينا من هذا وسمعنا ما يحجم القلم عن سرده حياءً من الله - سبحانه -؛ فإنه من أعظم التجري عليه، والتنقص له، تعالى عن كل ذلك. ولا يستبعد هذا من لم