للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ذكره الحاكم المجتهد الذي لا يتولى النظر بنفسه ... إلخ.

فينبغي أن يفصل في ذلك فيقال: إن كان ما وقع من الحاكم المجتهد من الأمر لأعوانه أو بغيرهم من الحكام المقصرين (١) بالنظر فيه هو نفس الحكم، أو ما يترتب عليه الحكم ترتبًا قريبًا فالآمر والمأمور شريكان في المظلمة وفي المخالفة للشريعة، وإن كان الذي أمر بالنظر فيه هو غير ذلك، كتحرير ما يأمره الحاكم بتحريره إجمالا، أو النظر لمكان وقع عليه الخصام ليحكي له الصورة التي يشاهدها كما يقع في الشفعة ونحوها، أو يأمره بأن يقسم ميراثًا بين أهله بعد أن عرفه كيف يكون التقسيم، أو يرقم ما يدعيه أحد الخصمين وما يجيب عليه به الخصم الآخر، ويعرض ذلك عليه بمحضر الغرماء فهذا ونحوه لا بأس بتفويضه إلى من تعرف عدالته وأمانته، وإن لم يكن من أهل العلم في ورد ولا صدر.

وهؤلاء هم الذين كان يلقبهم السلف العدول، ويلقبهم أهل عصرنا في هذه الديار الأمناء، وما بمثل هذا بأس؛ فإن قبول أخبار العدول ليس من التقليد في شيء، وتوليهم لما يتولونه ليس من الحكم الذي هو من عمل القضاة، ولو كلف القاضي بأن يقسم التركات، وينظر مكان الخصومات، ويحرر السجلات لكان قد كلف بما لا يطيقه، ولا يدخل تحت قدرته، وأضر ذلك بأهل الخصومات، لا سيما عند أن يشد الرحل، ويتزود للسفر إلى مكان بعيد ينظر أسباب الشفعة بين البدوي الفلاني وغريمه، أو يقسم تركتهما المفرقة في جوانب الأرض؛ فإن هذا يعود على الغرض المقصود من نصيبه للأحكام


(١) انظر " تبصرة الحكام " (١/ ٦٠ - ٦٣). وانظر الرسالة رقم (١٤٢).
يحتاج القاضي في وظيفته إلى أعوان يعينونه على تمشية أعمال القضاء منهم:
١ - جماعة من أهل العلم والفضل يشاورهم فيما يعرض عليه من قضايا وما ينبغي لها من أحكام شرعية مناسبة. وهذه المشاورة مطلوبة من القاضي ولو كان عالمًا.
٢ - أعوان القاضي: الكاتب، الحاجب، البواب، المترجم، الجلواز، الشهود، الأجرياء، صاحب السجن، المزكون، والمؤدبون.
انظر تفصيل ذلك " أدب القاضي " للماوردي (١/ ٢٦١ - ٢٦٥).