أقول: قد ذكرت في هذه الأبحاث غير مرة أن الذي أجبت به في الجواب السابق هو أن الإجابة ليست إلا مجرد إتعاب ومشقة مع وجود حاكم في الجهة يتمكن من الحكم بما أنزل الله في كتابه، وعلى لسان رسوله. والجواب لدى السائل - عافاه الله - فليراجعه حتى يعلم ذلك ويتيقنه.
وأما ما ذكره من أن الحاكم لا يلزم غيره اجتهاده إلى آخر الكلام.
فليعلم - أدام الله بقاءه - أن هذه الكلمة وإن كانت دائرة على الألسن، محررة في الدفاتر ففيها من الإشكال ما لا يحيط به المقال، وبيانه أن كلامنا وكلامه في حاكم يحكم بما أنزل الله، وما جاءت به السنة المطهرة، والأحكام العامة للأمة في الكتاب والسنة التعبد بها قدر مشترك بين العباد في قديم الدهر وحديثه، لا يختص بالتكليف بها هذا دون هذا، هذا معلوم لكل متشرع، فالحاكم المذكور هو لم يأت بشيء من تلقاء نفسه، ولا بشيء جاء به غير الشارع، ولا بحكم يلزم البعض دون البعض، بل بشريعة عامة، وحكم شامل قد تعبد الله به عباده.
وإذا كان هذا هو المراد من الحاكم، فما معنى قولكم: إنه لا يلزم غيره اجتهاده؟ إن كان المراد بهذا الاجتهاد جميع ما يحكم به من الأحكام الواردة على منهج الشريعة الموافقة لها فإن هذا الذي جاء به هو ما جاء به القرآن، أو ما نطقت به السنة. وقد وقع الإلزام به للأمة من عند البعثة المحمدية، فهذا القاضي إنما بين للناس ما شرع لهم، وحكم عليهم بما حكم الله به عليهم، فكيف لا يكون لازمًا لهم! وبهذا يتقرر أن المسألة على شهرتها [٢١ب] وتنزيلها عند المتمسكين بها منزلة القواطع مبنية على شفا جرف هار.
وإن كنتم تريدون باجتهاد القاضي الذي لا يلزم غيره هو محض رأيه الذي لا مستند له من كتاب ولا سنة فنحن معكم على هذا، فإن رأي هذا العالم لا يلزم هذا العالم، وكذلك رأي هذا الحاكم لا يلزم هذا الحاكم.
أما إذا كان في المسألة دليل يخالف ذلك الرأي فلا يلزم الخصمين ولا غيرهما، وأما إذا