للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يكن فيها دليل بل ليس إلا مجرد الرأي فليس رأي هذا بأولى من رأي هذا، ولا ينقض رأي برأي. فإن كنتم تريدون هذا فهو صحيح مسلم، ولكن لا يستقيم لكم إيراد هذه المسألة على إرادة هذا المراد في هذا الموضع؛ فإنكم أوردتم هذا الكلام في مساق الاحتجاج على عدم لزوم الإجابة إلى قاض خارج عن الجهة، مع وجود قاض فيها، وإنما يتم لكم الاحتجاج بهذه القاعدة إذا أردتم المعنى الأول من اجتهاد القاضي كما أراده المدونون لها، وقد أبطلناه.

أما إذا أردتم المعنى الثاني المستقيم فنقول لكم: من أين علمتم أن القاضي الذي وقع الطلب إليه سيحكم بالرأي في تلك الحادثة التي ستحدث حتى يقولوا: لا يلزم اجتهاده غيره! وقد علمتم أن محل النزاع بيننا هو القاضي الذي يحكم بالشريعة المطهرة بعد تأهله للقضاء بها.

قال - كثر الله فوائده -: الوجه الثالث: ما ذكرتموه في شأن القضاة المقلدين (١)، وكلامكم هو الحق الذي لا ريب فيه، ولكنه أشكل علينا أنكم خليتم بينهم وبين المتشاجرين، ولم تنكروا عليهم ذلك مع إمكانه عليكم بالفعل، بل تصرفون إليهم الغرماء، وتأمرونهم بالحكم بينهم، وفصل شجارهم، وتلزمون الغرماء بمقتضى ما رقموه في المراسيم، وتنفذون لهم جميع ما رأوه ورجحوه، ولا يصح الاعتذار بأنهم يعرضون عليكم المراسيم، وأنكم لا تنفذون وتلزمون إلا بعد النظر فيها، والتقرير [٢٢أ] لما ترجحونه أنتم، لأنا نقول: إنهم لا يعرضون عليكم الأشياء مفصولا قد رقمن في


(١) قال ابن قدامة في " المغني " (١٤/ ١٤): أن يكون أهل الاجتهاد، وبهذا قال مالك، والشافعي، وبعض الحنفية. وقال بعضهم: يجوز أن يكون عاميًا فيحكم بالتقليد، لأن الغرض فصل الخصومات فإذا أمكنه ذلك بالتقليد جاز، كما يحكم بقول المقومين.
قال ابن قدامة: ولنا قوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: ٤٩] ولم يقل بالتقليد. وقال: {لتحكم بين الناس بما أراك الله} [النساء: ١٠٥].