مراسيمهم، ولم يعرضوا عليكم الدعوى والإجابة حتى تنظروا صحة ذلك من فساده، ولا عرضوا عليكم البينات، ولا جميع ما يحصل من أسباب الحكم وشرائطه، وكل ذلك لا يصح النظر فيه إلا لمجتهد، وإلا فلا وجه لترجيح الإنكار على هذا دون هذا.
أقول: الحكام المتصفون بهذه الصفة لا يخلى بينهم وبين الغرماء إلا في مثل هذه الأمور التي قدمنا ذكرها في بحث الاستعانة بالأمناء والقضاة المقصرين على التحقيق الذي سبق، وإنما يفوض الحكم إلى من كان منهم متأهلا كما تقدم تقريره، ولدينا من القضاة من هو مجتهد متبحر في كل علم، ولدينا منهم من هو في الورع والتأني والتثبت راسخ القدم، مع تحليه من المعارف العلمية بما يوجب له الأهلية، فإن كنتم تريدون أنا نصرف الغرماء إلى هؤلاء، ونركن عليهم فمسلم، مع أنا لا نترك الأشراف على ما يحكمون به تحريًا وتحوطًا لكون السرف إليهم له مدخلية في مشاركتهم في الصواب والخطأ، وإلا فهم ممن تبرأ الذمة بالتفويض إليه.
وإن كنتم تريدون من صرحتم بقصورهم فلا نسلم أنا نخلي بينهم وبين الغرماء في الأحكام الشرعية. وغاية ما يفعلونه هو ما يفعله الأمناء والعدول على حسب التفصيل السابق.
وأما أنهم يستقلون بحكم شرعي يفتقر إلى النظر والاجتهاد فلا؛ فإنه إذا نابهم شيء من ذلك أحالوه على من هو من أهله، ولا يستبدون به، ولو فرضنا استبداد واحد منهم من ذات نفسه لم يقبل الحكم منه الخصم المحكوم عليه، بل يأتي ويتظلم ويصول ويجول، فيكون فعله هذا سببًا لكشف القضية والبحث عن أولها وآخرها ومستندها وإعادتها جذعة، وإنما يستبد هؤلاء بتحرير ورق المصادقة، وتقدير النفقات، وقيم المتلفات والنكاحات، والطلاقات، وضروب المعاملات الجارية بين الغرماء على حساب تراضيهم، ولهم من العدالة ما يعتبر في العدول على وجه لا يفترون كذبًا، ولا يكتبون باطلا.