للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال تعالى: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل} (١) وقال: {وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد} (٢)، وهذا ليس من الحكم في شيء، ولا هو مما يقوم به الحكام وحدهم.

وهكذا قد يتولون قسمة التركات، والنظر في المحلات المتنازع فيها، ونحو ذلك.

وقد قدمنا أن هذا يصح من العدول الذين لا تعلق لهم بالعلم، لأنهم إنما يقسمون كما يؤمرون، أو يحكمون الصورة التي يشاهدونها، فإن كنتم تريدون أنا خلينا بينهم وبين المشتجرين، وصرفنا إليهم في مثل هذه الأمور فمسلم، ولا يضرنا ذلك، وإن كنتم تريدون تفويض الأحكام الشرعية في الأمور التي تحتاج إلى الحكم بالشريعة فممنوع. وحاصله أن هؤلاء ليسوا بقضاة على التحقيق بل هم النواب عن القضاة. وقد كان السلف يصنعون ذلك، فإن الذي كان يفعله حكام العصور السالفة في جميع أقطار الأرض هو أن ينصب (٣) الخليفة أو السلطان قاضيًا، ويقتصر عليه في مملكته جميعًا وإن كانت متسعة الأطراف، ولا ينصبون قاضيًا غيره، بل يأذنون له بالاستنابة فيستنيب في كل بقعة من بقاع الأرض نائبًا، وقد يستنيب في المكان [٢٢ب] الواحد جماعة إذا كان واسعًا كالمدائن الكبار، وكانوا لا يعرضون عليه إلا ما يحتاج إلى النظر والبحث من المسائل بعد أن يلخصوا له أطراف المسألة الحادثة تلخيصًا لا يحتاج الحاكم معه إلا بيان وجه الحكم، وكشف ما عرض فيه الإشكال.

وأما ما ذكرتم من عدم الإنكار عليهم فالذنب في هذا الاعتقاد محمول على من نقله إليكم؛ فإنه محض الزور. فقد علم الناس أنا لا نسمع متظلمًا في أمر يتعلق بالشريعة المطهرة إلا وكشفنا ظلامته، وفحصنا عن أمره، ولا نرى رقمًا يخالف المنهج الشرعي إلا وأبطلناه، وإن كان راقمه من المتأهلين فضلا من غير المتأهلين. ولا يختص بهذه


(١) [البقرة: ٢٨٢].
(٢) [البقرة: ٢٨٢].
(٣) انظر " مجموع الفتاوى " (١٨/ ٧٦٣) " أدب القاضي " للماوردي (١/ ١٣٧).