للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله - عافاه الله تعالى -: أقول: هذا الكلام إنما يرد على من قال بوجوب الإجابة إلى حاكم يحكم بحكم الله تعالى ... إلخ.

نقول: فما عدي مما بدا فإذا قد اتفقنا نحن وإياكم على تكليف الغريم للرحيل من الظلم مع وجود من يحكم بحكم الله تعالى في جهة الخصمين، فما شأن إلزامكم بعد ذلك لمن في بلاده من كملت فيه شروط الاجتهاد المجمع عليها عند أئمتنا - عليهم السلام -!؟ وغيرهم من أئمة الأصول!.

وإن قلتم: إن ذلك دعوى فالعمر هو الشاهد. وهذا الفرس وهذا الميدان. وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وملاحة الدينار يظهر فضله في حكه لا في ملاحة نقشه. والمناظرة لم تزل دائرة بين العلماء في جميع الأزمان. والله المستعان.

قوله - كثر الله فوائده -: فنقول: قلتم: وحكم الله تعالى في تلك الحادثة مظنون كل مجتهد ... إلخ.

نقول: قولنا: حكم الله مظنون كل مجتهد صادق على القولين، وهما قول من يقول بالإصابة أو بالصواب، أما من يقول بالإصابة فواضح، وأما من يقول بالصواب فحكم الله هو مظنون للمجتهد في المسائل الظنية لا متيقن له، والفرض [٤أ] أن حكم الله واحد والمصيب له غير متعين، فالتعيين له بأنه هذا دون ذاك تحكم ولم نعتبر بهذه العبارة إلا لاحتمالها للقولين. وتقديرنا صحيح عليهما؛ إذ المراد من ذلك أن قول المجتهد لا يلزم التكليف به دون قول المجتهد الآخر بل هما سواء، لأنهما مصيبان إما من الصواب أو الإصابة فجزمكم بأحد الاحتمالين لمدلول عبارتنا فيه ما فيه، وهذه المسألة كما ذكرتم طويلة الذيول، وهي معروفة في جميع كتب الأصول، إلا أنه ليس للخلاف (١) فيها ثمرة،


(١) قال ابن فورك: في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن الحق في واحد وهو المطلوب وعليه دليل منصوب، فمن وضع النظر موضعه أصاب ومن قصر عنه فقد الصواب فهو مخطئ ولا إثم عليه، ولا نقول إنه معذور لأن المعذور لن يسقط عنه التكليف لعذر في تركه كالعاجز عن القيام في الصلاة، وهو عندنا كلف إصابة المعين لكنه خفف أمر خطابه وأجر على قصده الصواب وحكمه نافذ على الظاهر. وهذا مذهب الشافعي وعليه نص كتاب الرسالة (ص٤٩٦).
الثاني: أن الحق واحد إلا أن المجتهدين لم يكلفوا إصابته وكلهم مصيبون لما كلفوا من الاجتهاد وإن كان بعضهم مخطئًا.
الثالث: أنهم كلفوا الرد إلى الأشبه على طريق الظن.
وذهب قوم إلى أن الحق واحد والمخالف له مخطئ آثم ويختلف خطؤه على قدر ما يتعلق به الحكم، فقد يكون كبيرة وقد يكون صغيرة. ومن القائلين بهذا القول الأصم والمريسي وابن علية. وحكي عن أهل الظاهر وعن جماعة من الشافعية وطائفة من الحنفية.
انظر: " إرشاد الفحول " (ص٨٤٩ - ٨٥٠)، " المسودة " (ص٤٩٥)، (البحر المحيط) (٦/ ٢٤٥).