للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن القائل بتخطئة البعض قائل بأنه يثاب المخطئ، ولا مخالف في عدم ثوابه إلا الأصم، وابن علية، والمريسي (١). وقد ذكر العلماء أنهم خالفوا العقل والنقل، ولا أرى إلا أن المخطية يعينون الشيطان في تفريق المذاهب، ونشر العداوة، وجعل الدين عضين، وكل حزب بما لديهم فرحون، لأنهم يقولون الحق مع واحد، ويسكتون عن كون المخطئ مأجورًا. وينبغي التنبه لفائدة ذكرها شيخ الإسلام الوجيه عبد القادر بن أحمد - رضي الله عنه - وهي: أن الأحاديث (٢) الواردة في أجر المصيب والمخطئ هي في الحاكم المجتهد، لا في مطلق المجتهد؛ فالحاكم إذا اجتهد وعمل بشهادة عادلة، وقطع بها الحق فقد أصاب حكم الله تعالى، فإن كانت الشهادة زورًا إما لوهم الشهود، أو لنحو ذلك فقد أخطأ الواقع مع إصابته لحكم الله، فإنه تعالى أمره بالعمل بالشهادة بدليل قطعي لا تجوز مخالفته، ولا إثم على من عمل بحكم الله تعالى وأخطأ الواقع، ولذا قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " فإنما أقطع له قطعة من نار " (٣) فجعل أحاديث الحاكم وتخطئته في


(١) انظر التعليقة السابقة.
(٢) انظر الرسالة رقم (١٣٩).
(٣) أخرجه البخاري رقم (٤٥٧) ومسلم رقم (١٥٥٨) من حديث أم سلمة قالت: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار ".