هو أعلم منه بالشريعة في عصره وقطره، لأنه يظن في كل من هو أعلم منه أنه يعلم بدليل لا يعلمه ويقدر على استنباط لا يقدر عليه، وهذا يجده كل رجل من نفسه. انتهى كلامه.
وبهذه الطريقة سد المتأخرون من مقلدي الفقهاء أبواب الاجتهاد بعد أئمتهم، لأن الشافعية مثلا لما أحسنوا الظن بالإمام الشافعي قالوا: إنه يعلم بدليل لا نعلمه، ويقدر على استنباط لا نقدر عليه، فما بقي إلا التقليد له، وإذا وجدوا حديثًا صحيحًا يخالف مذهب الشافعي قالوا: من البعيد أن لا يطلع عليه الشافعي، بل قد اطلع عليه ولم يعمل به، إما لعدم صحته عنده، أو لكونه منسوخًا لديه، أو لوجوده لدليل أصح منه وأقوى لم نعلمه نحن ولا اطلعنا عليه، ونحو ذلك من التعصبات والتمذهبات التي يلزم منها طي بساط الشريعة، ومخالفة الأدلة ورد الشريعة المطهرة، وكذا وكذا من ذلكم التهويل [٥ب] الذي كررتموا ذكره.
قوله - كثر الله فوائده -: ولكنا نقول يجب عليكم تفويض ما عرض من الشجار ... إلى آخر ما ذكره.
نقول: هذا هو صنيعنا وديدننا، فإنا نجمع الحكام لدينا للنظر في الخصومات، ثم نعرض ما صح على من لدينا من العلماء، فإن وقع خلاف وقفنا الشجار حتى يحصل الاتفاق، ثم نجزم بما حصل الاتفاق عليه بعد التثبت والبحث، هذا إذا كان في حكم، وأما إذا كان على جهة الصلح فالعمدة رضى الغريمين على أي جهة كانت. وأما تكليفنا للغريمين بالوصول إليكم مع وجود المجتهدين لدينا فشيء لم يقم عليه أثارة من علم، ولم يكلف معاذ أهل اليمن الوصول إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وهو سيد ولد آدم، وكذلك غيره من قضاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بل اكتفى بهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وأقرهم على أن يحكموا بين الناس، ولم يقل لهم: لماذا تحكمون ولا ترفعون إلينا، لأن عندنا من العلم ما لم يكن عندكم، ونحن نعلم بدليل لا تعلموه، ونقدر على استنباط لا تقدرون عليه، هذا وقد أعطاه الله علم