للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأولين والآخرين، وسلك الخلفاء الراشدون بعده هذا المسلك، وكل ذلك تسهيل للأمة من التعسير الذي نهى عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؛ فإنه لم يبعث إلا بالشريعة السمحة السهلة، وبعد ذلك تعرفون أن قولكم: إن ذلك من كمال العدل، وتمام البر ليس على ما ينبغي، بل تكليف الغريم بما لم يجب عليه من كمال الجور، وتمام العقوق. على أنا - والله - لو نعلم بأن تظلم الغريم من حكامنا لأمر ديني لبادرنا إلى إلزام الغريم بإجابته إلى الخارج عن البريد، ولو نحتمل غرامة مؤنته من بيت المال، إنما نحن نعلم يقينًا أن هرب الغريم من الحكام، ونفوره إلى غيرهم لشهوة نفسانية، ومنافسة دنيوية، وتشوش شيطاني لدواع تظهر لمن يعرف الحقائق، ويميز بين الخطأ والصواب، ويمارس أحوال الناس، ويجرب حوادث الأيام. والله المستعان. [٦أ]

قوله: فلا يثبت حكم الحاكم على الخصمين إلا إذا كان مجمعًا على أهليته ... إلخ.

نقول: إن أردتم بالإجماع عليه في مذهب المتشاجرين فقد عرفتم أن المتشاجرين في هذا القطر أكثرهم زيدية، والحاكم المجمع عليه عندهم على المذهب أعز من بيض الأنوق (١). وإن أردتم بالإجماع عليه بين العلماء جميعهم فلا يخفاكم ما على الإجماع من الإشكالات في الأصول. وإن أردتم علماء مدينته أو غالب أهل قطره فلا يفيد.

قوله - كثر الله فوائده -: والذي عندي أن حكام الشريعة - إلى قوله -: فإذا حكم الحاكم بمحض الرأي ظنًا منه أن دليل ذلك الحكم لا يوجد في الكتاب ولا في السنة، ثم وجد غيره النص الدال على ذلك الحكم ... إلخ.

نقول: وهذا الذي عنده - كثر الله فوائده - هو الذي عند بعض العلماء.


(١) قالوا: الأنوق الرخمة، وعز بيضها لأنه لا يظفر به، لأن أوكارها في رءوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة، قال الأخطل:
من الجاريات الحور، مطلب سرها ... كبيض الأنوق المستكنة في الوكر
" مجمع الأمثال " (٢/ ٣٩٠).