للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ما ذكرناه من الإجماع فقد صرح به أهل الأصول عند تحرير الأدلة في هذه المسألة فقالوا: إن السلف كانوا يرجعون إلى فعله من دون تخصيص، ولم ينكر عليهم أحد فكان إجماعًا. وهذا موجود منصوص عليه في كتب الأصول (١) فليراجعها السائل - عافاه الله - حتى يعلم أنا لم نتكلم في ذلك إلا بما تكلم به غيرنا.

قوله: لأن المقام للتبكيت ... إلخ.

أقول: التبكيت لهم قد حصل بجعل الدعوة إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مقترنة بالدعوة إلى الله، ولا يختص حصول هذا المعنى بما قاله الزمخشري (٢) من جعل الكلام من باب أعجبني زيد وكرمه، بل قد حصل النعي عليهم، والتبكيت لهم بأن هذا الرسول الذي لا يجيبونه الدعوة إليه كالدعوة إلى الله تعالى للعطف المؤذن بذلك إيذانًا يفهمه من يفهم أسرار كلام العرب كما يقول القائل: من كان صادق الطاعة لهذا الملك فليلب دعوته عبده، فإن في هذا الاقتران من رفع شأن العبد، والتبكيت على من لم يجب دعوته ما لا يقادر قدره، ولا يتوقف حصول ذلك على كون تلك الدعوة إلى الملك هي الدعوة إلى العبد، بل قد يفوت هذا المعنى السري بذلك، لأنه لم يكن على هذا التقدير اقتران بين الدعوتين وإن وقع بين المدعوين صورة، فإذا انضم إلى هذا فائدة التأسيس مع سلوك أقرب المجازين كان ذلك أدخل في بلاغة الكلام، وأتم وأبهج لا جرم الزمخشري كما ذكرتم هو المجمع على تفسيره، ولا سيما وقد تقدم عصره قبل هذا العصر بنحو سبعمائة سنة.

قوله - كثر الله فوائده -: الإشارة في هذا إلى كلام إمام البيان الزمخشري ... إلخ.

أقول: يأبى هذا الحاكم بالكتاب على تقدير أنه المراد بالدعوة إلى الله هو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - والترافع هو إليه، فإفراد الضمير هو كائن على كلا


(١) انظر " إرشاد الفحول " (ص١٥٨)، " البحر المحيط " (٤/ ١٧٩).
(٢) في " الكشاف " (٤/ ٣١٣).