أحد من الناس أن ما في هاتين الآيتين تعظيم للقاضي، وتشييد لأمره، فإنه لو حكم بغير الشرع لم يستحق أن يقال له: سمعنا وأطعنا، بل يستحق أن يقال له: لا نسمع ولا نطيع، وحكمك رد عليك، ومضروب به في وجهك؛ فالسائل - عافاه الله - إنما استبعد هذا الاستبعاد حتى ناشد المسئول هذه المناشدة، لأنه ظن أن القاضي المسكين لا يستحق أن يكون من خاصم إليه غير مؤمن حتى يحكمه ويسلم لحكمه، ويسمع ويطيع غير متحرج.
وهكذا نقول: ومن هو القاضي حتى يكون له هذا الشأن؟ وإنما قلنا: إن السمع والطاعة والتسليم وعدم الحرج للشريعة المطهرة لا القاضي.
قوله - كثر الله فوائده [٥أ]-: فما شأن إلزامكم بعد ذلك لمن في بلاده من كملت فيه شروط الاجتهاد ... إلخ؟.
أقول: ومتى ألزمت مع وجود من هو كذلك، فبالله عليكم! أخبروني أين أوجبت ذلك ومتى قلته؟ فإن جوابي الأول لديكم، وكذلك الرسالة (١) المسماة بالأبحاث البديعة، وقد ذكرت فيها قبل نقل كلامكم ما لفظه: فاعلم أن خلاصة ما أجبت به في الجواب المشار إليه سابقًا عن السؤال المتقدم ذكره هو أن المحل الذي سكنه الخصمان إن كان فيه من يتمكن من الحكم بينهما بالشريعة المطهرة على الوجه الذي لخصناه هاهنا فلا يجوز لأحدهما أن يطالب الآخر بالخروج إلى قاض آخر في مكان غير المكان الذي يسكنانه، لأن ذلك مجرد إتعاب، ومحض مشقة.
انتهى بلفظه وحروفه. فهل وجدتم هذا في النسخة التي أرسلتها إليكم أم لا؟ ثم هل كررت هذا المعنى بعد ذلك بقليل في سؤال الاستفسار، ثم ذكرت عند الكلام على الوجه الثاني من كلامكم ما لفظه: هذا الكلام إنما يرد على من قال بوجوب الإجابة إلى حاكم يحكم بحكم الله - سبحانه - في غير جهة الخصمين، مع وجود من يحكم بحكم الله في جهة الخصمين، مع كون كل واحد من الحاكمين عالمًا بكتاب الله وبسنة رسوله .....