للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا سالكًا بين الأسنة والقنا ... إني أشم عليك رائحة الدم

قوله: ولم يعبر بهذه العبارة إلا لاحتمالها للقولين ... إلخ.

أقول: حكم الله مبتدأ، ومظنون كل مجتهد خبره، وهذا التركيب يفيد الحكم على حكم الله بأنه مظنون كل مجتهد، هذا من غير نظر، إلى ما يقتضيه اسم الجنس (١) المضاف من العموم، وإيضاح مثل هذا لمثلكم عبث، فإنكم تفهمون ما هو في الدقة تابع إلى غايتها، فكيف بهذا الواضح! والله يحب الإنصاف.

قوله - كثر الله فوائده -: فالحاكم إذا اجتهد وعمل بشهادة عادلة ... إلخ.

أقول: وهكذا المجتهد إذا عمل بدليل ظني صحيح في ظاهر الأمر، ثم انكشف أنه موضوع، فلا فرق بينه وبين الحاكم إذا حكم [٦أ] بشهادة عادلة في الظاهر، وانكشف زورًا، لأن المجتهد مأمور بالعمل بأخبار الآحاد بدليل كالدليل المتضمن للأمر للحاكم بالعمل بالشهادة، فما الفرق؟ فإن جميع مدارك الحكم من الشهادة واليمين والإقرار لا يحصل بكل واحد منها من الظن إلا دون ما يحصل للمجتهد بأخبار الآحاد الخارجة مخرج الصحيح، بل لا يبعد أن يقال إن خطأ الحاكم في دماء المسلمين وأموالهم فيه من الخطر العظيم بالجناية على مال الغير أو على دمه ما ليس في خطأ المجتهد من الخطر إذا عمل باجتهاده في مسألة الطهارة، أو الصلاة، أو نحو ذلك، فإذا كان الخطأ مغفورًا بل مأجورًا عليه في الجناية على مال الغير ودمه فكيف لا يكون مغفورا بل مأجورا عليه في عمل المجتهد لنفسه في غير جناية على نفس الغير، ولا على ماله؟.


(١) قال الشوكاني في " إرشاد الفحول " (ص٤١٦): الإضافة من مقتضيات العموم كالألف واللام من غير فرق بين كون المضاف جمعًا نحو عبيد زيد أو اسم جمع نحو جاءني ركب المدينة. أو اسم جنس نحو: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [النحل: ١٨]. " ومنعت العراق درهمها ودينارها ومنعت الشام قفيزها وصاعها ".
وانظر " المسودة " (ص١٠١)، " تيسير التحرير " (١/ ٢١٩).