للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأعوان، وهذا ظاهر، بل لو لم يرد هذا الحديث الصحيح لكان تسويغ ذلك معلومًا من قواعد الشريعة لما قدمنا من وجوب رفع المظلمة علينا، وأن ما لا يتم ذلك إلا به يجب كوجوبه، وإن من تمام ذلك ما يعتاده السجان والأعوان، ولولا ذلك ما فعلوا ما نأمرهم به. وهذا الظالم هو الذي تسبب بظلمه وامتناعه عن التخلص من الحق إلى ما يحتاج إلى غرامة مالية.

هذا إذا كان من عليه الحق على الصفة التي ذكرنا، أما لو كان فقيرًا قد تبين فقره فهذا لا يحل إرسال الأعوان عليه ولا سجنه، بل يجب الحيلولة بينه وبين المطالب له بنص القرآن الكريم: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} (١) فإن حبسه الحاكم، أو أرسل عليه كان ظالمًا، وكان واجبًا عليه أن يسلم أجرة من أرسله، وأجرة السجان من


(١) [البقرة: ٢٨٠].
قال ابن قدامة في " المغني " (٦/ ٥٨٥ - ٥٨٦): " أن من وجب عليه دين حال، فطولب به، ولم يؤده، نظر الحاكم، فإن كان في يده مال ظاهر أمره بالقضاء، فإن ذكر أنه لغيره - فعلى الحاكم التأكد من ذلك - وإن لم يجد مالاً ظاهرًا فادعى الإعسار، فصدقه غريمه لم يحبس. ووجب إنظاره، ولم تجز ملازمته لقول الله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: ٢٨٠].
ولقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لغرماء الذي كثر دينه: " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " ولأن الحبس إما أن يكون لإثبات عسرته أو لقضاء دينه، وعسرته ثابتة والقضاء متعذر، فلا فائدة في الحبس، وإن كذبه غريمه فلا يخلو، إما أن يكون عرف له مال أو لم يعرف. فإن عرف له مال لكون الدين ثبت عن معاوضة، كالقرض والبيع، أو عرف له أصل مال سوى هذا، فالقول قول غريمه مع اليمين، فإذا حلف أنه ذو مال، حبس حتى تشهد البينة بإعساره.
قال ابن المنذر: أكثر من تحفظ عنه من علماء الأمصار وقضاتهم، يرون الحبس في الدين، منهم: مالك والشافعي، وأبو عبيد والنعمان، وسوار وعبيد الله بن الحسن. وروي عن شريح والشعبي. وكان عمر بن عبد العزيز يقول: يقسم ماله بين الغرماء ولا يحبس. وبه قال عبد الله بن جعفر، والليث بن سعد.
قال ابن قدامة: ولنا أن الظاهر قول الغريم، فكان القول قوله كسائر الدعاوى.
انظر: " فتح الباري " (٤/ ٤٦٦).