للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ما سأل عنه - كثر الله فوائده - من أجرة الحكام المأخوذة من الخصمين، وذكر أنه لم يجد لذلك دليلاً.

فأقول: إن كان ما يأخذه الحكام من الخصوم إلى مقابل عمل يعملونه كرقم السجلات والسير إلى الأمكنة المتنازع فيها مما يحتاج إلى مشاهدة، كأسباب الشفعة، ونحو ذلك، وكان الحاكم لا جراية له من بيت المال يضيفها إلى مقابل أجرته، وكان ما يأخذه بمقدار عمله الذي عمله مع طيبة من نفس الخصوم، فهذا لا شك أنه حلال يسوغ قبضه. ولا فرق بينه وبين من يعمل مع الناس، ويحترف بنوع من أنواع الحرف من نجارة، أو خياطة، أو عمارة، أو نحو ذلك؛ فإن ما يأخذه هؤلاء حلال طلق، لأنه في مقابل عملهم. وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بإيفاء الأجير أجره، والحاكم على تلك الصفحة داخل في هذا العموم، لأنه أجير أخذ أجره بطيبة من نفس المؤجر [٣أ]، وطيبة النفس بمجردها محللة لمال الغير كما في حديث: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه» (١)، وأما ما يعتبره كثير من أهل الفقه من اعتباره أمر زائد على طيبة النفس، كالإيجاب والقبول بألفاظ مخصوصة أو نحو ذلك فلا دليل عليه، وأما إذا كان ما يأخذه القاضي المذكور زائدًا على مقدار عمله، ولم تطب به النفس، أو كان له جراية من بيت المال فما يأخذه بسحت حرام (٢)، وأكل لمال الغير بالباطل، وقد قال الله عز وجل: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} (٣) لا يقال إن ما يأخذه القاضي هو إلى مقابل الحكم، وهو واجب عليه، والأجرة على الواجب حرام، لأنا نقول: ليس ما يأخذه هاهنا أجرة عن الحكم، بل عن ما ذكرناه من رقم السجلات، والنظر في الأمكنة التي تتعلق بها الخصومات، وذلك غير ...................................


(١) وهو حديث صحيح تقدم تخريجه.
(٢) قال تعالى: {أكالون للسحت} [المائدة: ٤٢].
(٣) [النساء: ٢٩].