فإذا لم يكن لمن يقضي بين المسلمين بشرع الله في أموال الله حظ لم يكن لمن يغزو أو يرابط في ثغورهم، أو يدفع عن حوزتهم أو نحو ذلك حظ، وعند هذا تصير أموال الله التي أمر أئمة المسلمين وسلاطينهم بقبضها من أهلها ووضعها في مواضعها ضائعة متروكة هملاً، فتذهب ثغور المسلمين ويبطل الغزو، وينهدم ربوع الشرع، ويذهب رونقه، وتتغير بهجته، ويصير الناس في فتنة عمياء صماء، وينخرم النظام، وتنقطع السبل، ويأكل القوي الضعيف، وتنتهك الحرم وتراق الدماء، وتنهب الأموال؛ فإنها إنما انتظمت المعائش، وقامت الأديان، وحفظت الحرم بصرف هذه الأموال في هذه المصارف العائدة على المسلمين بمصالح الدين والدنيا؛ فإن الناس أنواع، فمنهم من يشتغل بالزرائع [٤أ]، ومنهم من يقوم بالتجارة ونحوها من الحرف، ومنهم من يسعى في تحصيل الأمور التي تحتاج إليها في المعاش، ومنهم من يحفظ للناس دينهم ويعلمهم معالم الإسلام، ومنهم من يجاهد الأعداء ويكف يد القوي عن الضعيف، وينتصف المظلوم من الظالم، وتؤمن السبل، تقيم الحدود وهم الأئمة ومن معهم من الجنود، فإذا لم تؤخذ أموال الله من مواضعها وتصرف في مصارفها لم يبق من يحفظ على الناس دينهم، ولا من ينتظم به أمر معاشهم، لأن الجنود المتطوعة الذين لا يرتزقون لا يوجدون إلا في أندر الأزمنة، وأقل الأحوال، وكذلك القائمون بالوظائف الدينية من القضاء والإفتاء