للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشحيح، والصلابة الشديدة، والدين القوي! فهكذا ينبغي أن يكون ولاة أمور المسلمين من القضاة، وأهل الأعمال، فإن كل ولاية وإن جلت وعظم شأنها وهي دون الولاية العامة والزعامة التي لا تكون فوق يد صاحبها يد. وينبغي للإمام العادل أن ينظر إلى من يوليه الأعمال في نفسه ومؤنة أهله، فيجعل لهم ما يقوم به على وجه لا يحتاج معه إلى أن يرفع رأسه إلى رزق من جهة أخرى يقضون رزقه الذي يجعله له إمامه عن مؤنة نفسه وأهله، ولا يجعل له من أموال الله ما يجاوز كفايته التي يحتاجها، فإن غيره من المسلمين أحوج بها، ومصارف أموال الله على ظهر البسيطة فإن موت الأموال (١) وإن بلغت في الكثرة كل مبلغ لا تفضل عن أرزاق من يستحقها بل يفضلون عنها، ولولا ذلك ما كان في كل عصر من العصور فقراء عالة الناس يسألونهم [٥ب] ويحتاجون إلى ما في أيديهم.

فإن قلت: قد كان لجماعة من الصحابة والتابعين الأموال التي يطول ذيلها، ويتعاظم قدرها حتى اتسعوا في عمارة الدور الأنيقة، والدواب الفارهة، والمماليك الدوقة (٢)، والملابس الفاخرة، والضياع المشتبكة، والأنهار المطردة، والذخائر الكثيرة حتى مات الواحد منهم عن مئين الألوف وألوف الألوف مما تركه لمن يرثه بعد أن عاش مرفهًا موسعًا على نفسه وأهله، يعطي العطايا الواسعة، ويبذل البذولات الرابعة لمن يقصده من الفقراء والشعراء وأهل الكمالات، وأرباب الغرامات.

قلت: صحيح ما ذكرته وغير مستنكر ولا مستعظم ذلك عليهم، فقد كان لهم من الغنائم التي عادت بها عليهم سيوفهم ما لا يقادر قدره، ولا يمكن التعبير عنه، وتضيق الأذهان عن تصوره، فإن الله - سبحانه - مكنهم من الممالك العظيمة كمملكة كسرى


(١) غير واضحة في المخطوط.
(٢) " الدوقة والدوقانية ": الفساد والحمق، وقيل أداقوا به أحاطوا به.
" تاج العروس " (١٣/ ١٥١).