للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستئجار على القضاء باطل (١).

قلت: إن أراد بذلك استئجار القاضي على الحكم من الخصم الذي يستحق الحكم له، فلا شك في بطلان هذا، لأنه نوع من الرشوة المحرمة بالإجماع، وإن أراد أنه لا يجوز للقاضي أن يأخذ أجرة على القضاء من أموال الله، فهو باطل بإجماع المسلمين، وبما قدمناه من الأدلة، وإن أراد أنه لا يأخذ ما يأخذه [٦ب] من أموال الله على نفس الحكم، بل يأخذه على ما يزاوله من مقدمات الحكم كالنظر في الشهادة، والإقرار، وقرائن الأحوال، فذلك مبني على تحريم أخذ الأجرة على الأمور الواجبة، وفيه عندي إشكال لا يتسع له المقام لطول ذيله، وتشعب أطرافه. وليس في ذلك دليل يدل على تحريمه إلا ما روي من حديث (٢) أبي في القوس الذي أهداه إليه بعض أهل الصفة، وكان يتعلم عليه القرآن، وفي الحديث ضعف، وفي وجه دلالته إشكال، وهو معارض بما هو أرجح منه (٣)، مع كونه أخص من الدعوى على أن تلك المقدمات التي سوغ القائل بالمنع


(١) في هامش الأصل: الظاهر أن البطلان لشيء آخر وهو جهالة العمل، وفي البحر ما نصه: فرع (ي) - أي الإمام يحيى - لا يصح عقد الإجارة على القضاء إذ العمل غير معلوم. انتهى.
(٢) أخرجه ابن ماجه رقم (٢١٥٨) والبيهقي في " السنن الكبرى " (٦/ ١٢٥ - ١٢٦) وهو حديث صحيح بشواهده.
انظر هذه الشواهد في " الصحيحة " (رقم ٢٥٦، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٠).
(٣) منها ما أخرجه البخاري رقم (٥٧٣٧) من حديث ابن عباس " أن نفرًا من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم من راق فإن في الماء رجلاً لديغًا أو سليمًا، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول الله: أخذ على كتاب الله أجرًا! فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله ".
وأخرجه البخاري في " صحيحه " رقم (٢٢٧٦، ٥٠٠٧، ٥٧٣٦، ٥٧٤٩) ومسلم رقم (٢٢٠١) وأحمد (٣/ ١٠، ٤٤) وأبو داود رقم (٣٩٠٠) والترمذي رقم (٢٠٦٤) وابن ماجه رقم (٢١٥٦) من حديث أبي سعيد.