للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الأجرة على الحكم أخذ الأجرة عليها هي مما لا يتم الواجب إلا به فهي من مقدمة الواجب، وحكمها حكمه كما تقرر في الأصول (١)، فيعود الإشكال على من سوغ أخذ الأجرة عليها، ويقال له مقدمة الواجب (٢) كالواجب، لا فرق بينهما.

وبالجملة فنحن لا نقول إن القاضي يأخذ من أموال الله على نفس الحكم، ولا على مقدماته، بل نقول يأخذ من بيت المال ما يقوم بكفايته وكفاية من يمون، لأنه قد شغل بهذه الأعمال التي هي في مصالح المسلمين ومنافعهم عن التكسب لنفسه ولأهله، والسعي فيما يقوم بمعاشه، ويغنيه عن تكفف الناس كما كان من الصديق - رضي الله عنه - مما سمعته قريبًا، فاشدد يديك على هذا، واحرص عليه، ودع عنك ما يقوله المشتغلون بعلم الرأي من كون هذه أجرة على واجب، هذه أجرة على حرام، ونحو ذلك من العبارات، فإن الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهة (٣)، والمؤمنون وقافون عند الشبهات، [٧أ] فما يأخذه أهل الأعمال كالقاضي من ثبوت الأموال قد ثبت


(١) يشير إلى القاعدة الأصولية وهي " ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدورًا للمكلف فهو واجب.
قال الزركشي في " البحر " (١/ ٢٢٣ - ٢٢٤) " ما لا يتم الواجب إلا به، هو إما أجزاء الواجب، أو شروطه الشرعية، أو ضروراته العقلية والحسية، لا تنفك عن هذه الثلاثة. فالأول، واجب بخطاب الاقتضاء. والثاني: بخطاب الوضع، والثالث: لا خطاب فيه فلا وجوب فيه لأن الوجوب من أحكام الشرع.
انظر: " الأشباه والنظائر " لابن الوكيل (١/ ٤٠٠)، " الإحكام " للآمدي (١/ ١٥٧)، " الإبهاج في شرح المنهاج " للسبكي (١/ ١٠٣).
(٢) قال الزركشي في " البحر " (١/ ٢٢٣): وأما ما يتوقف عليه إيقاع الواجب ودخوله في الوجود بعد تحقق الوجوب: فإن كان جزءًا فلا خلاف في وجوبه، لأن الأمر بالماهية المركبة أمر بكل واحد من أجزائها ضمنًا، وإنما الخلاف إذا كان خارجًا كالشرط والسبب، كما تقرر أن الطهارة شرط. ثم ورد الأمر بالصلاة فهل يدل الأمر بها على اشتراط الطهارة؟ هذا موضع النزاع؛ ولهذا عبر بعضهم عنه بالمقدمة، لأن المقدمة خارجة عن الشيء متقدمة عليه. بخلاف الجزء فإنه داخل فيه.
(٣) تقدم تخريجه.