للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالشرع، وصح عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وعن الخلفاء الراشدين، ولم يسمع عن أحدهم أنه قال في أعمال القاضي أو الوالي ما هو واجب عليه، فلا يحل له أن يأخذ عليه أجرًا، بل قالوا إنه قد شغل عن أعماله الخاصة بنفسه وأهله في تحصيل رزقهم، والاحتراف لهم بالأعمال العامة لمصالح المسلمين، وكان رزقه ورزق أهله، ومن يعول من بيت مال المسلمين، فنحن نقول كما قالوا، ونعمل على ما عملوا عليه، ونفتي بما أفتوا به، ولا نجاوز ذلك إلى تلك التفاصيل التي جاء بها أهل الرأي، فقد أغنتنا الرواية عن الرأي، والدليل عن الدراية. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل (١).

فإن قلت: فما تقول فيما يأخذه القاضي (٢) ونحوه من الرزق الذي يعرضه له الإمام أو السلطان من بيت المال إذا كان بيت المال قد اختلط فيه المعروف بالإنكار، والحق بالباطل، والعدل بالجور؟.

قلت: إن كان يقنعك الجواب بما قاله أهل العلم المتكلمين على هذه المسألة ونحوها من المسائل فاعلم أن في كلامهم ما يغنيك عن هذا السؤال، لأن هذا المال غاية ما فيه أن بعضه مأخوذ على وجه العدل، وبعضه مأخوذ على وجه الجور، وما أخذ على وجه الجور إن كان متميزًا معلومًا وصاحبه معروفًا لا يلتبس بغيره كان على صاحب العمل القابض رزقه من ذلك أن يرده على صاحبه إن كان ما قبضه هو عين مظلمة ذلك الرجل [٧ب]؛ فالحلال بين والحرام بين، وإن كان ما يدفعه السلطان إليه قد اختلط


(١) تقدم ذكر معنى المثل.
يضرب في الاستغناء عن الأشياء الصغيرة إذا وجد ما هو أكبر منها وأعظم نفعًا.
ونهر معقل: في البصرة وقد احتفره معقل بن يسار في زمن الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فنسب إليه.
انظر: " مجمع الأمثال " للميداني (١/ ٨٨)، " الأمثال اليمانية " (١/ ٩٥ رقم ٢٣٧).
(٢) تقدم توضيحه.
انظر: " فتح الباري " (١٣/ ١٥٠).