وهاهنا بحث ينبغي التنبه له، وإمعان النظر فيه، وهو أن كثيرًا من القرى التي يسكنها جماعة من [ ..... ](١) المعروفين الآن بالقبائل قد لا يوجد في القرية الواحدة وإن كثر الساكنون بها من يستحق أن يطلق عليه اسم العدل قط، بل قد يكون أكثر أهلها إن لم يكونوا كلهم متساهلاً في الإتيان بأركان الإسلام كالصلاة والصيام ونحوهما، وإن صلى مثلاً فعل صلاة لا يحسن لها ذكرًا، ولا يقيم لها ركنًا، بل كثير منهم قد لا يحسن النطق بكلمة الشهادة، وكان حالهم في ذلك ظلمات بعضها فوق بعض، ثم يقع بينهم التظالم في الدماء والأموال، وليس فيهم عدل معتبر في الشهادة، ولا يحضرهم عدل من غيرهم، فيترافعون إلى حكام الشريعة، ونحن نعلم أنهم لا يتورعون عن منكر من المنكرات، ولا يتوقفون عند حد من حدود الشرع، ويقدمون على الأيمان الفاجرة، وعلى شهادات الزور، فماذا يصنع الحاكم عند ترافعهم إليه إن وقف على اعتبار العدالة في الشهود، وعلموا ذلك منه. سفكوا الدماء، وهتكوا الحرم، وأكلوا أموال بعضهم البعض، وهم في أمن من أن يقبل عليهم شاهد أو يلتفت إلى إخبار مخبر، بل غاية ما هناك أن الحاكم يسد باب البينة والإخبار، إذ لا عدل معتبر. ولم يبق إلا تحليف الخصم الذي قد علم كل عالم بحاله أن اليمين الفاجرة أهون شيء عليه، وأيسر أمر عنده.
ولو يسمعون على كثرتهم وتطبيقهم لغالب هذه الديار اليمنية بأنه ليس على من قتل نفسًا، أو أخذ مالاً، أو هتك حرمة إلا اليمين لكان ذلك من أعظم البواعث لهم على الإفراط في ذلك، والتهافت عليه، والتتابع فيه. وحينئذٍ يفتح لهم باب شر لا يغلق،