للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويضرم فيهم [٦ب] نار فتنة لا تنطفي أبدًا، وهذه الشريعة المطهرة من عرفها حق معرفتها وجدها مبنية على جلب المصالح (١)، ودفع المفاسد، واعتبار هذا الأصل العظيم شواهده من الكتاب والسنة كثيرة جدًا، تحتمل مؤلفًا مستقلاً فإن قال الحاكم المترافع لديه للمدعي: هات البينة معك، ثم سمعها واستكثر من عددها حتى يلوح له منها أمارات الصدق، أو يبلغ إلى حد التواتر كان ذلك أقرب إلى اعتبار جلب المصلحة الشرعية، ودفع المفاسد المخالفة للشرع، وانزجر لهؤلاء العوام الأغتام (٢) عن انتهاك الحرم، وسفك الدماء، ونهب الأموال، فإن جاء المدعي بما يفيد ذلك، ويتضح به الصواب فيها ونعمت، وإن لم يأت بذلك رجع إلى اليمين الشرعية التي لا يعتبر في قطعها للحق كون صاحبها غير فاجر لا يتورع من اليمين الفاجرة، وكان في ذلك زجرًا للعصاة وأهل الجسارة والجرأة عن أن يسفكوا الدماء، وينهبوا الأموال، ويهتكوا الحرم. وليس في الإمكان أبدع مما كان.

وقد يستدل لقبول شهادة غير العدول مع عدم وجود العدول، لكن على الصفة التي ذكرناها من الاستكثار منهم حتى يحصل من ذلك ما يكون سببًا لظهور الحق وإيضاح الصواب لما في الصحيح (٣) من ذكر قصة السهمي الذي مات بأرض ليس بها أحد من


(١) انظر: " الأشباه والنظائر " (ص٩٠ - ٩١).
(٢) الغتمة العجمة، الأغتم من لا يفصح شيئًا.
" القاموس " (ص١٤٧٤).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٧٨٠) من حديث ابن عباس قال: " خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدم بتركته فقدوا جامًا من فضة مخوصًا من ذهب، فأحلفهما رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم، قال وفيهم نزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت .... }.
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (٣٦٠٦) والترمذي رقم (٣٠٦١) وهو حديث صحيح.