للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمين، فأشهد على وصيته من أهل الذمة، ونزل في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} (١) والكلام على الآية وعلى سبب نزولها يطول، وهي مستوفاة في كتب الحديث (٢) والتفسير (٣)، فمن أحب الوقوف على حقيقة ذلك رجع إليها.

وفي سنن أبي داود (٤)، وسنن الدارقطني (٥) عن الشعبي أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة [بدقوقاء (٦)] (٧)، ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة، فأتيا أبا موسى الأشعري فأخبراه، وقدما بتركة الميت ووصيته، فقال [٧أ] أبو موسى: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فأحلفهما بعد العصر ما خانا، ولا كذبا، ولا بدلا، ولا كتما، ولا غيرا، وأنهما لوصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما (٨).


(١) [المائدة: ١٠٦].
(٢) انظر: " فتح الباري " (٥/ ٤١٠ - ٤١٢).
(٣) انظر: " جامع البيان " (٥\ج٧/ ١٠٥ - ١٠٩)، و" تفسير القرآن العظيم " لابن كثير (٣/ ٢١٧ - ٢٢٠).
(٤) في " السنن " (٣٦٠٥) بإسناد صحيح.
(٥) في " السنن " (٤/ ١٦٩).
(٦) زيادة من سنن أبي داود.
(٧) دقوقا: مدينة بين إربل وبغداد.
" معجم البلدان " (٢/ ٥٨١).
(٨) قال ابن قدامة في " المغني " (١٤/ ١٧٠ - ١٧٢): مسألة: قال: وتجوز شهادة الكفار من أهل الكتاب، في الوصية في السفر، إذا لم يكن غيرهم.
قال ابن قدامة: وجملته أنه إذا شهد بوصية المسافر الذي مات في سفره شاهدان من أهل الذمة قبلت شهادتهما، إذا لم يوجد غيرهما. ويستحلفان بعد العصر ما خانا ولا كتما، ولا اشتريا به ثمنًا قليلاً {ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين} [المائدة: ١٠٦].
قال ابن المنذر: وبهذا قال أكابر الماضين. يعني الآية التي في سورة المائدة، وممن قاله: شريح، والنخعي، والأوزاعي، ويحيى بن حمزة وقضى بذلك ابن مسعود، وأبو موسى رضي الله عنهما.
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا تقبل، لأن من لا تقبل شهادته على غير الوصية، لا تقبل في الوصية، كالفاسق لا تقبل شهادته فالكافر أولى.
وروى أبو عبيدة في " الناسخ والمنسوخ " أن ابن مسعود قضى بذلك في زمن عثمان، قال أحمد: أهل المدينة ليس عندهم حديث أبي موسى. من أين يعرفونه؟ فقد ثبت هذا الحكم بكتاب الله، وقضاء رسول الله وقضاء الصحابة، وعملهم بما ثبت في الكتاب والسنة فتعين المصير إليه والعمل به، سواء وافق القياس أو خالفه.