للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجل دخل منزلهم ما لفظه: وقد علمتم أن القرائن القوية معمول بها فيما هو أعظم من ذلك.

أقول: نذكر هاهنا وجوها:

الأول: السؤال عن هذه القرائن القوية التي أوجبت ظلم هؤلاء المظلومين، ما هي؟

الثاني: ما المراد بالعمل بهذه القرائن في هذا؟. هل الحكم على هؤلاء المتظلمين بأنهم الذين جنوا على المدعي، وألزمهم تسليم أرش جنايته، أو المراد إلزامهم بشيء آخر؟ إن كان الأول فهو حق آدمي محض يتوقف على طلبه، ولا يصح الاحتساب فيه، فكيف يظلمون هؤلاء، ويروعون، وتهتك حرمتهم، ويرسل عليهم إلى منازلهم، ولم يدع عليهم غريمهم، ولا طلبهم إلى الظالم لهم!، فهل هذا من الشريعة؟ وهل يفعل هذا متشرع! وإن كان المراد الثاني وهو إلزامهم بشيء آخر فما هو؟ إن قلتم: هو التعزيز لهم بالحبس ونحوه مما لا مدخل فيه لأخذ شيء من أموالهم.

فنقول لكم: إن كان ذلك لأجل إقدامهم على المجني عليه فهو حق له يتوقف على طلبه، ويسقط بعفوه، فكيف أقدم العريف عليهم بتلك القوافر! والمجني عليه في بيته لم يأت إليه، ولا طلب منه إنصافه! ولا سأله الأخذ له من ظالمه! وإن كان المراد بالشيء الآخر هو أخذ بعض ما يملكه هؤلاء - أعني المتظلمين - ظلمًا وعدوانًا وقهرًا وجرأة على الله وعلى شريعته، ومصير ذلك المأخوذ إلى ذلك [٢] العريف الظالم، وإلى من أعانه على الظلم، ينتفعون به في شهواتهم وملاذهم، ويدعون هؤلاء المظلومين يتلهفون ويستغيثون فلا يغاثون، فهل هذا من فعل المتشرعين؟ وهل هذا من هذه الشريعة المطهرة؟ ... كلا - والله - بل من الظلم البحت، والطاغوت المحقق، فيا عباد الله {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} (١).


(١) [البقرة: ٢٨١].