للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو الفاعل، كما يقتضي أن من تقيأ خمرًا تصاعدت من معدته [٩]، واندفعت من فمه بمرأى ومسمع من الناس أنه شربها، وأين هذا من ذاك! فإن هذا يستحيل أن يحصل للعقل تجويز ذلك أن ذلك الشارب يشرب ماءً فاندفع بالقيء خمرًا، أو أنه دفعه من بين ثيابه لا من فمه، أو أن الذي دفعه غير خمر بخلاف قضية المرأة، فإن عقل كل عاقل يجوز أن الذي باشرها غير هذا، ولا ينكر هذا من يتعقل القضايا ولا سيما وهي تعترف بأنه قد أغاثها مغيث وفارقها تابعًا لمن باشرها، مريدًا للقبض عليه.

ولا شك أن اللاحق إذا كان يشتد بعد الملحوق فهو آخر الرجلين أقربهما إلى المرأة، فقضاء العقل بأن هذا الرجل الذي لحقه الجماعة ووجده أقرب إلى المرأة هو المغيث لها أقرب من قضائه بأنه الفاعل بها، وأعجب من هذا وأغرب دعوى ابن القيم أن هذه القرينة مساوية لقرينة الحبل، فيا سبحان الله إذا لم تبق لنا علوم ندرك بها المعلومات فقد بقيت لنا عقول وأفهام ليقال أن هذا الرجل الذي ادعت عليه المرأة ينزل منزلة امرأة وجدت حاملاً يتحرك الحمل في بطنها، ولا زوج لها، فهل ثمة احتمال عند العقل أن هذا الحمل وجد لا عن مني رجل دخل في فرج المرأة، وهذا يجوزه الشرع أم هذه المرأة كمريم - سلام الله عليها - بعث الله إليها ملكًا فنفخ في فرجها، كما يجوز العقل أن الذي باشر تلك المرأة هو غير الذي ادعت عليه.

فرحم الله ابن القيم، فلقد جاء في هذا البحث بما يضحك الثكلى، وليس العجب منه فالعالم قد يجري قلمه بالكلام الساقط للضعف البشري الذي هو ختم في رقاب العباد ولكن العجب من عالم يختار كلامه ويقلده في خطئه وسقطه، بل يستدل به على مدلول أجنبي بينه وبينه ما بين السماء والأرض، وأما دعواه أن الظن الحاصل بهذه القرينة [١٠] كالظن الحاصل بالشهادة والإقرار فهذا أغرب مما قبله، وأعجب، فإن كل عاقل بعلم الفرق بين قضية يقول فيها رجلان عدلان نشهد أن هذا فعل كذا، ونحن ننظر إليه، وبين أن يقول مدع ادعى على فلان كذا، وتنزل قرب ذلك المدعى عليه من المدعي، أو كونه مشاهدًا له أو ماشيًا في طريق تمر به ذهابًا وإيابًا، منزلة قول رجلين