للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدلين أنه فعل كذا بمرأى ومسمع، أو منزلة قول المدعي عليه نفسه أنه الفاعل إقرارًا منه على نفسه، وتسجيلاً عليها بذلك، فهل يلتبس الفرق بين الصورتين على من يعلم بالمسالك العلمية، والمدارك الشرعية، بل على من يفهم، بل على من له عقل!، فلقد ادعى ابن القيم - رحمه الله - على العقل والشرع ما هما بريئان عنه، ثم لو فرضنا أن يحصل ظن بتلك القرينة التي جعلها دليلاً، فقد تقرر أن الله لم يتعبدنا بكل ظن يحصل من أي وجه، وبأي أسباب، ولو كان كذلك لم يكن لاعتبار المدارك التي اعتبرها الشارع أسبابًا للحكم فائدة، ولا كثير معنى.

وخلاصة القول: أن الله - سبحانه - نهانا في محكم كتابه عن اتباع الظن في آيات كريمة (١) كثيرة، وجاء سبحانه بصيغ عامة تشمل كل ما يصدق عليه مسمى الظن، فلا يجوز لنا أن نعمل بشيء من الظنون إلا ما خصه دليل. وقد خص الدليل جواز الحكم بشهادة العدلين، وإقرار المقر ويمين المنكر، كما خص جواز العمل بأخبار الآحاد، وما عدا ما لم يقم عليه دليل يخصه فهو مندرج تحت ذلك العموم لا يحل لنا أن نعمل به بدون مخصص، كائنًا ما كان، ولا سيما في مثل الأمور المستلزمة لإراقة الدماء، وهتك الحرم.

الوجه الرابع: إن قلت لي: أبن لي الوجه فيما صدر عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - من الأمر برجم الرجل الذي ادعت عليه المرأة! قلت: قد تكلم أهل العلم في ذلك بكلام طويل، وجاءوا بتأويلات أكثرها متعسفة [١١] والذي أرتضيه أنا وأجعله تأويلاً لما وقع في هذا الحديث هو أنه تقرر في الأصول (٢) أنه يجوز عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الخطأ في الاجتهاد، لا فيما طريقة التبليغ. ولكنه لا يقر عليه، وهذا


(١) منها قوله تعالى: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا} [يونس: ٣٦].
وقوله تعالى: {إن بعض الظن إثم} [الحجرات: ١٢].
وقوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} [يونس: ٦٦].
(٢) انظر " إرشاد الفحول " (ص٨٥٧)، " تيسير التحرير " (٤/ ٢٣٦).