منه، وهو مثل ما ثبت عنه في الرجل الذي كان يدخل على بعض نسائه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فأمر عليًا بأن يذهب إليه فيضرب عنقه، فذهب إليه فوجده يغتسل في ماء، فأخرجه من الماء فوجده مجبوبًا لا عضو له، فرجع فأخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بذلك فتركه على ما كان عليه (١)، فهذا من الخطأ في الاجتهاد، وهو جائز غير ممتنع.
ويمكن التأويل بوجه آخر هو دون هذا الظهور، وهو أنه كان ما أمر به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جائزًا ثم نسخ بأنه لا يجوز الحد إلا بالمناطات التي وردت وعمل بها الصحابة فمن بعدهم.
ويمكن التأويل بوجه ثالث هو دون الذي قبله، وهو أمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - برجم الرجل المذكور إنما صدر منه لنوع من السياسة الشرعية التي جاءت بها الأدلة، والوجه في ذلك أن المباشر لتلك المرأة ربما يظهر نفسه، ويقر بذنبه مخافة أن يتحمل ذنب معصية الزنا، وذنب سفك دم الرجل البريء، ومثل هذا موجود في الطباع البشرية، مدرك عند المتدينين الواقعين في بعض المعاصي التي تلجأ إليها الطبيعة البشرية.
الوجه الخامس: نستفسره - عافاه الله - هل عمل بما ذكره ابن القيم من دلالة هذا الدليل على ذلك المدلول اجتهادًا أو تقليدًا؟ إن قال وافقه اجتهادًا كما هو الظن به والموافق لعلي مكانه فنقول له - عافاه الله -: انظر إلى ما حررناه هاهنا بعين الإنصاف، فإنك إذا أمعنت النظر الذي يوجبه الاجتهاد رجعت عن موافقته إلى مخالفته، وإن قال - عافاه الله -: إنما عمل بكلامه تقليدًا فلا حيلة لنا في هدايته إلى ما هو أولى بالاتباع [١٢] ... فإنه أقر على نفسه بأنه لا يتعقل الحجج الشرعية.
ونقول له - عافاه الله -: ما الذي ألجأك إلى هذا وقد أعطيت من علوم الاجتهاد ما
(١) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٥٩/ ٢٧٧١) والحاكم في " المستدرك " (٤/ ٣٩ - ٤٠) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.