تتمكن به من الإصدار والإيراد! وكيف تنزل عن المنزلة التي أنزلك الله فيها، وأحلك بها إلى منزلة لا تجمل بمثلك، ولا تليق بكمالك! ثم مالك - عافاك الله - أبعدت النجعة وسافرت إلى تقليد ابن القيم، وقد كان لك في الأئمة من آبائك غنى يغنيك، ومأوى يؤويك، وكن يكنك، وعريش يظلك:
فدع عنك نهبًا صيح في حجراته ... وهات حديثًا ما حديث الرواجل
الوجه السادس: بالله عليك يا مولانا لا نشغل الورق، ونتكلف لتزييف كلام أهل العلم، ونتقحم على الاستدلال بما هو أجنبي، مما نحن بصدده ..
فأنت تعلم - كثر الله فوائدك - أن محل النزاع بيننا هو كون العريف الذي فوضته في بلاد الروس أرسل على هؤلاء الأشراف رسلاً، وطلب منهم أدبًا، أي حرامًا وسحتًا، فواصلوا يتظلمون إلى الشريعة المطهرة، فأرسلتهم إليكم لتنصفوهم من العريف الظالم، فهذا هو بيت القصيد، وهو محل النشيد، فلا نشغل أنفسنا بغيره، ولا ندخل في مداخل خارجة عن المراد، فالعلم أمانة، وأهله أمناء عليه، وحججه على خلقه، وورثة أنبيائه، والمترجمون له لعباده، والمبينون لهم ما نزل إليهم.
فما أحقهم بأن لا يخونوا هذه الأمانة، ويخيسوا في هذا الميثاق، ويخفروا ذمة الله، وذمة رسوله! فيوهمون الناس بأنهم استحلوا ما استحلوا، وانتهكوا لحجج لديهم، وبراهين يعرفونها. والشريعة بريئة عن ذلك، مصونة منه، بل لا فائدة ولا عائدة في هذه الأمور إلا تشفيع الذنب بذنب أشد منه، وتعقيب المعصية بمعصية أفظع منها، فإن دعوى أن الله حلل الحرام أشد [١٣] من الإقدام على ذلك الحرام.
وكل عارف يعلم أن ذنب من قال من أهل العلم أن الخمر حلال، أو الزنا، أو الربا حلال أشد من ذنب من شرب الخمر، أو عامل بالربا، أو زنى بامرأة. هذا لا يشك فيه أحد من المتشرعين، وقد دلت عليه الأدلة الكلية والجزئية دلالة كالشمس، فلا نطول بذكر ذلك، فهو من معلوماتكم.
قال - عافاه الله -: وذكرتم - أبقاكم الله - في جوابكم النفيس على الولد