للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه، وذلك لا يخالف كونه خط فلان، بل يخالف استصحاب [٣ا] كونه باقيًا على ثبوت ما فيه، وذلك مثل أن تجد بخط حاكم معروف أن فلانًا أقر بأن عنده لفلان ألف دينار، ثم تجد بخط من بعده من الحكام المعروفين أن فلانًا الذي عليه الألف دينار قد قضاها وبرئت ذمته منها فلا شك أن العمل على الخط المتأخر، ولا يكون ذلك قادحًا في كون الخط الأول خط فلان، بل هو خطه، لكنه وجد الناقل عنه والرافع لما فيه، وهكذا إذا تطاول الزمن، وكان أحد الخصمين ثابت اليد على ما يحكى في رقم من الحكام المعروفة خطوطهم أنه لفلان، وكانت الأرض يد الشريعة فيها قاهرة، فإن استصحاب كونها لثابت اليد أقوى من استصحاب كونها لصاحب الرقم بطول المدة، لا سيما مع انقراض المكتوب له، والمكتوب عليه، والكاتب.

وليس هذا من ترك العمل بالخط، بل من العمل بما هو أرجح منه، مع تسليم كونه خط فلان. وقد تقع المعارضة بين خطين معروفين لمرجح آخر وهو أن يكون الكاتب أحدهما متثبتًا متحريًا متحفظًا من قبول التغرير والتدليس، والآخر ليس بهذه الصفة أو بعضها، فإنه هاهنا كان العمل بالترجيح القوي المعلوم عقلاً ونقلاً وعادة.

وعلى المتعاملين أن يمتثلوا ما أمر الله - عز وجل - به من أن يكتب بينهم كاتب بالعدل، وبالإشهاد على التبايع، فإنه إذا وقع العمل على ما شرعه الله - سبحانه - لعباده ارتفعت أسباب الخصومات، وانقطعت دوافع التغريرات.

وأما ما يجري به العرف في خص الأمكنة فإن خط صاحب المال من التجارة وغيرها مقبول على من يقابله، فإن هذا بالجهل أشبه منه بالعلم؛ لأنه قبول لدعوى مجردة إلا إذا كان من عليه الحق يوافق من له الحق بأنه لا يكتب إلا حقًا كان المستند لثبوت ذلك هو هذا الإقرار، لا مجرد الكتابة.

وينبغي أن يتنبه هاهنا لدقيقة قد تخفى على كثير من الناس، وهي أن فرقًا ظاهرًا أو واضحًا بين ما يرقمه الحكام المعرفون بخطوطهم المعروفة على طريقة الحكم وعلى طريقة الإقرار، فإن ما كان على طريقة الحكم جزمًا كان قبوله متحتمًا، لأنه لا يجزم بذلك مع كونه موثوقًا بدينه وعلمه إلا بمستند ظاهر [٣ب]