* القول الأول: ما ذهب إليه جمهور السلف من النهي عن التردد على أبواب السلاطين، واعتزالهم، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: " وقد كان كثير من السلف ينهون عن الدخول على الملوك لمن أراد أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر أيضًا، وممن نهى عن ذلك عمر بن عبد العزيز وابن المبارك والثوري وغيرهم من الأئمة ". * القول الثاني: هو كراهة الدخول على السلاطين، وهو ما ذهب إليه الحافظ ابن رجب الحنبلي فيما يبدو من كلامه فقد قال: " ومن هذا الباب أيضًا كراهة الدخول على الملوك والدنو منهم، وهو الباب الذي يدخل منه علماء الدنيا إلى نيل الشرف والرياسة فيها ". * القول الثالث: هو جواز الدخول عليهم لكن مع تقييد ذلك الأمر وحصره بشروط وهو الرأي الذي ذهب إليه بعض السلف والخلف، وهو رأي مالك رحمه الله وانتصر له إمام المغرب ابن عبد البر النمري الأندلسي: قيل للإمام مالك إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون؟ فقال: يرحمك الله، فأين المكلم بالحق! " وقال مالك: " حق على كل مسلم أو رجل جعل الله في صدره شيئًا من العلم والفقه أن يدخل إلى ذي سلطان يأمره بالخير وينهاه عن الشر ويعظه حتى يتبين دخول العالم إنما يدخل على السلطان يأمره بالخير وينهاه عن الشر، فإذا كان فهو الفضل الذي ليس بعده فضل ". انظر: " ترتيب المدارك " (١/ ٢٠٧). ونجد أن الشوكاني في رسالته هذه يذكر أقوالاً ثلاثة في مسألة الدخول على السلاطين: ١ - أن الاتصال بالسلاطين جائز وحسن. ٢ - أن الاتصال بالسلاطين واجب. ٣ - أن الاتصال بالسلاطين ممنوع. وأما عن كونه جائز وحسن، فلأن الاتصال مرتبة دون المحبة، كما سلف القول، ومحبة السلاطين جائزة لخصالهم الخيرة، ولا يتردد عالم في القول بجواز هذا الاتصال سيما إن كان سيترتب عليه جلب منافع للأمة. أما عن كونه واجبًا، ففي حالة إذا لم يتم الواجب إلا به، أو لم يندفع المحرم والضرر إلا به، وذلك انطلاقًا من قاعدة أصولية جوهرها أن: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ". أما الصورة الثالثة: وهي الاتصال الممنوع بالسلاطين، فهو مواصلتهم لا لمصلحة دينية تعود آثارها الإيجابية على الأمة، أو إذا ترتب على هذا الاتصال فساد يلحق بالمجتمع بأي صورة من صور الفساد. * قال عبد الرحمن الشيزري في " المنهج المسلوك في سياسة الملوك " (ص٦٩٠): اعلم أن استيلاء الدنيا على الملوك وإقبالهم عليها ربما شغلهم عن أمر الآخرة، وأغفلهم عن مهمات الدين، فيجنحون إلى اللذات ويهملون أمر الديانات، لأن النفوس مطبوعة على الميل إلى الترف وإيثار التنعم وكراهة التكليف، فلا ينبغي أن تخلو مجالسهم من علماء الدين، وأصالح المتنسكين لينهوهم عند طريان الغفلة، ويذكروهم عند ضراوة الشهوة، ويوضحون لهم نهج الآخرة ومعالم الشريعة، وقد كان ذلك شعار الملوك الغابرين والخلفاء الراشدين في مجالسهم الحكماء واستماع مواعظ العلماء وكانوا في ذلك ثلاث طبقات. ١ - طبقة لما سمعوا الموعظة والتذكير نبذوا ملك الدنيا الذي يفنى ليتعاضوا عنه ملك الآخرة الذي يبقى، واخرجوا ذلك من قلوبهم وأيديهم واهتموا بأمر الآخرة، والعمل لها لينالوا الفوز الكبير، والنعيم الدائم. ٢ - طبقة عند سماع الموعظة أخرجوا ملك الدنيا من قلوبهم ولم يخرجوه من أيديهم، واهتموا بأمر الآخرة مع بقائهم في الملك وهذه الطبقة مجاهدتهم عظيمة ومثلهم في ذلك من ألزم نفسه الظمأ وبحضرته نهر بارد ينظر إليه ويقدر على تناوله وشربه. وهذا مقام الخلفاء الراشدين، وأمرائهم وعمالهم ومن سلك سبيلهم. ٣ - طبقة أصمهم حب الدنيا، ونيل لذاتها، عن استماع المواعظ وأعمى أبصارهم عن كل مذكر، وواعظ فآثروا اللذات على المهمات، وقطعتهم الشهوات عن أمور الديانات. انظر: كتاب " السياسة " للمرادي (ص٦٧) فقد قال: " سلطان عدل وإمامة وسلطان جور وسياسة وسلطان تخليط وإضاعة ".