للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأعتق رقبة، إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة، فإن رقبة في الأولى مطلقة، وقد قيدت في الثاني بمؤمنة، فيحمل الإطلاق على التقييد، ويكون الواجب حينئذ رقبة مؤمنة، ومن ثمة اختلفوا فيما إذا تأخر المقيد، هل هو ناسخ للمطلق، أو بيان له؟ وذلك لا يكون إلا مع اتحاد الحكمين. وأما إذا اختلف (١) حكمهما فإنه لا يحمل المطلق على المقيد ضرورة تحالف الحكمين.

فإذا قيل: إذا وجدت عالمًا فاكسه، وقيل: إذا وجدت عالمًا تميميًّا فأعطه دينارًا، فإنه وإن كان العالم مطلقًا في التركيب الأول، ومقيدًا في التركيب الثاني لا يحمل المطلق على المقيد؛ لأن الحكم في المطلق الأمر بالكسوة، وفي المقيد الأمر بإعطاء دينار، فيجري كل واحد منهما على حكمه، فيكسى العالم ولا يعطى دينارًا إلا بقيد كونه تميميًّا (٢).

وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن الحكم في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " إذا سرق له متاع، أو ضاع فوجده بعينه عند رجل، فهو أحق به، ويتبع البيع من باعه، أو يرجع المشتري على البائع بالثمن " (٣) يخالف الحكم في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " إذا وجد السرقة بعينها في يد الرجل غير المتهم، فإن شاء أخذها بما اشتراها، وإن شاء اتبع سارقه " (٤) فلا يحمل المطلق على المقيد لتخالف حكمهما.

نعم. قد يحمل المطلق على المقيد مع اختلاف حكمهما إذا كان المطلق مترتبًا على المقيد، نحو: إن ظاهرت فأعتق رقبة، ولا تملك إلا رقبة مؤمنة؛ فإن حكم المطلق غير حكم المقيد لكنه لترتب حكم المطلق، وهو العتق على حكم المقيد وهو الملك يحمل


(١) إذا اختلفا في الحكم، فلا خلاف في أنه لا يحمل أحدهما على الآخر بوجه من الوجوه سواء كانا مثبتين أو منفيين أو مختلفين اتحد سببهما أو اختلف وقد حكى الإجماع جماعة من المحققين.
انظر: " اللمع " (ص٢٨٠)، " القواعد والفوائد الأصولية " (ص٢٨٠).
(٢) ذكره الشوكاني في " إرشاد الفحول " (٥٤٥ - ٥٤٦).
(٣) تقدم تخريجه في الرسالة رقم (١٥١).
(٤) تقدم تخريجه في الرسالة رقم (١٥١).