للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو الظاهر، لأن أقرب اللفظين هو المرجع في الغالب، ويتعين المصير إليه عن الاشتباه، ولا سيما إذا استلزم الإرجاع [الضمير] (١) إلى البعيد لازما فاسدا. وهذا لا ينبغي أن يعد تأويلا بل هو الظاهر. والمراد أن الله -جل جلاله- أخبر عباده على لسان نبيه أنه خلق آدم على الصورة التي رأوه عليها بلا زيادة ولا نقصان، كما هو الغالب في الخلق، فإنهم يزيدون في أوائل العمر، وينقصون في أواخره.

وأما ما روي من أنه خلق آدم على صورة الرحمن (٢)، فالمراد (٣) أنه خلق آدم على


(١) زيادة من [ب].
(٢) أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (٥١٧) بإسناد ضعيف ورجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه سيء الحفظ.
ولكن الحافظ ابن حجر والإمام أحمد وإسحاق ابن راهويه صححوا هذه الرواية وضعفها ابن خزيمة والمازري والقرطبي والمحدث الألباني.
. أخرج ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (٥١٨) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تقبحوا الوجوه؛ فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته". وهو حديث صحيح.
. وأخرج ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (٥١٩) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ولا وجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته". وإسناده حسن.
(٣) على ما تقدم نقول: بيان أن إعادة الضمير في حديث "خلق الله آدم على صورته" على غير الله هو قول الجهمية كما قال الإمام أحمد وفي ذلك رد على جميع التأويلات التي ذكرها الحافظ من أقوال الذين جعلوا الضمير عائدا على آدم، أو على المضروب أو على المقول له فإن هذه الأقوال مخالفة لما ذهب إليه جمهور السلف من أن الضمير فيه عائد على الله عز وجل.
. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله في "نقض التأسيس" (٣/ ٢٠٢) - وما بعدها" لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في هذا الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... إلى أن قال: "ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور، وابن خزيمة، وأبي الشيخ الأصبهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة".