للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بورك في عمله وعمره -: ولا بد من أن يقال: من أين لك أن هذا النقل غير صحيح، فإنه ليس على الناقل إلا مجرد تصحيح النقل وتمليك إبطال ما نقله بإيراد من قال بما يخالف ما نقله الناقل، فنقول مثلا: قد قال فلان من العلماء بأنه لا يحد قاذف الرجل [١ب]، فإنه أراد بما جعله علة لمطالبة الحاكم بعدم صحة النقل، أعني قوله: فإنه ليس على الناقل إلا مجرد تصحيح النقل على الطريقة التي قدمنا ذكرها، فلم يسلك ناقل الإجماع ذلك المسلك، فنقل الإجماع غير صحيح، وإن أراد تصحيح النقل على طريقة أخرى، فإن كانت ما تعرف بين أهل العلم في نقل الإجماع من قول العالم مثلا، وهذه المسألة مجمع عليها، فقد تقدم أن الإجماع شقيق السنة لا يقبل حتى يجمع شرائط القبول المذكورة في علم مصطلح الأثر، فإذ لم يجمعها لم يقبل، حتى إنه إذا قال عالم مثلا: هذا الحكم قد نقل إلينا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لا يقبل، فكذا دليل الإجماع، فإن قول العالم مثلا: هذه المسألة مجمع عليها معناه أنه نقل إلينا عن جميع عدد علماء عصره أن الحكم في هذه المسألة كذا، وإن كانت غيرها؛ فماذا هي؟ ثم قوله - دامت إفادته - وعليك إبطال ما نقله الناقل. انتهى. فيه بحث هو أنه إذا قد صح نقل الإجماع فذكر واحد من العلماء أو جماعة مخالفين في ذلك الحكم لا يبطل الإجماع لجواز أن يكون من علماء عصر غير عصر الإجماع.

نعم إذا كان العالم المخالف من أهل عصر الإجماع (١)، وتبين أن تلك المقالة كانت مقارنة الزمان المدعى فيه الإجماع فهناك تعارض رواية الإجماع وهذه؛ لأن هذا القائل من أفراد المجموعين، فرواية الإجماع رواية عنه لمسألة الإجماع، أما لو كانت متقدمة عليه فلعله قد رجع عن الخلاف إلى الوفاق، ولا يبطل النقل الصحيح بالمحتمل.

ثم قوله - دامت إفادته -: أقول: تعليل مشروعية القذف بكونه لدفع النقيصة كما زعمه، إن كان النقل عن الشارع فما هو؟ وإن كان لمسلك من مسالك العلة المدونة في


(١) انظر " تيسير التحرير " (٣/ ٢٣٦)، " البحر المحيط " (٤/ ٤٧٦).