للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصول فكيف تقريره حتى يتكلم عليه! وإن كان لنقل عن أهل الجاهلية فلا ينفعه ولا يضرنا؛ لأن كلامنا في الحد الثابت في الشرع [٢أ]، لا فيما كان عليه أهل الجاهلية، فإنه لا شرع عندهم ولا حد، فليس مثل هذا الكلام .... إلخ.

فيه بحث هو أنه قد تبين فيما سبق أن الجلال قائم في مقام المنع؛ لأنه ناف لحكم الحد على قاذف الرجل، فكلامه على القياس ليس لإثباته حتى يقال: ما مسلك علم هذا القياس؟ إن كانت كذا كان كذا، وإن كانت كذا كان كذا.

فإن قلت: ما أراد الجلال حيث قال: أما القياس فلأن شرع جلد القذف إنما لدفع النقيصة التي كانت تلحق العرب من جهة زنى النساء، ولهذا كانوا يئدون البنات ... انتهى.

قلت: أراد دفع احتجاج المستدل بالقياس لأن العلة التي لهذا القياس قاصرة، وحاصله منع وجود العلة في الفروع، فعلى المستدل بيان وجودها في الفرع، بل عليه أن يبين أولا علة حكم الأصل بمسلك من المسالك (١)، ثم يبين وجودها في الفرع، فكان حق شيخنا - دامت إفادته - أن يثبت هذين الحكمين، أعني: ثبوت أن العلة كذا، وثبوت أنها موجودة في الفرع، لا مطالبة الجلال بمسلك العلة، نعم إبطال أن العلة ما ذكر الجلال مع بيان أن العلة غيرها، وإثبات تلك العلة المغايرة كما قدمنا ينفع، ولكنه لم يقع.

فالحاصل أن الجلال مانع لثبوت العلة في الفرع، مسندا ذلك المنع بأن العلة النقيصة المذكورة، فالقدح في إثبات أنها العلة، وكذا الكلام على قوله: وأما الرجال ... إلى آخره لا يفيد إثبات الحد على قاذف الرجل، فإن قيل الكلام على ذلك ينفي الفارق بين قاذف المرأة وقاذف الرجل، فيثبت الحكم لقاذف الرجل.

قلت: لا يصح ذلك؛ فإن النقيصة التي في شأن المرأة أشد وأثبت؛ فإنها جبلية يثبتها


(١) تقدم ذكر مسالك العلة.
انظر البحر المحيط (٥/ ٢٠٠ - ٢٠٤)، " الكوكب المنير " (٤/ ١٣٨).