للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبب حديث: " لا وصية لوارث " هو نفي الإيجاب الذي كان ثابتا كما قررناه. فانظر كيف عاد إلى تلك الدعوى المجردة بعد أن سلم عدم دلالة هذا الحديث على ما ذهب إليه، بل سلم دلالته على دفع ما ذهب إليه وشموله لمحل النزاع، أعني: وصية صح التبرع.

وأما استدلاله على ما ذهب إليه بقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (١) فلا يخفاك أن الوصية تشمل الوصية، والوصية لغير الوارث، وهذا لا ينكره أحد، وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " لا وصية لوارث " أخص مطلقا من قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، فيبنى العام على الخاص (٢) ويكون ما في الآية الكريمة في قوة: من بعد وصية يوصي بها لغير الوارث أو دين، كما هو مقتضى بناء العام على الخاص، وهو متفق [٢أ] (٣) عليه بين أهل الأصول في الجملة، وإن اختلفوا في تفاصيله وشروطه فذلك لا يقدح في اتفاقهم على وجوب البناء، والحديث هو متلقى بالقبول، فيخصص به عموم القرآن عند الجمهور، بل عند كل من يعتد بقوله من أئمة الأصول (٤).


(١) [النساء: ١١].
(٢) في حاشية المخطوط ما نصه: ولعل التعميم استفيد من توصيف الوصية بقوله: (يوصي بها) على نحو ما قبل في قوله تعالى: (ولا طائر يطير بجناحه) أن التوصيف (بـ) يطير بجناحيه إفادة التعميم. والله أعلم.
(٣) انظر " البحر المحيط " (٣/ ٤٠٥)، " تيسير التحرير " (١/ ٣٦١).
(٤) قال الزركشي في " البحر المحيط " (٣/ ٣٦٢): يجوز تخصيص الكتاب العزيز بخبر الواحد فذهب الجمهور إلى جوازه مطلقًا.
وذهب بعض الحنابلة إلى المنع مطلقًا.
* قال الشوكاني بعد ذكره أدلة المانعين ... قال ابن السَّمعاني: إن محل الخلاف في أخبار الآحاد لم تجمع الأمة على العمل بها أما ما أجمعوا عليه كقوله: " لا ميراث لقاتل " و" لا وصية لوارث " فيجوز تخصيص العموم به قطعًا، ويصير ذلك كالتخصيص بالمتواتر لانعقاد الإجماع على حكمها، ولا يضر عدم انعقاده على روايتها.
انظر: " إرشاد الفحول " (ص ٥٢٤).