للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتناول الوصية المضافة إلى بعد الموت، كما يتناوله العطية في حال الدنيا، وهو من أعظم الأدلة الدالة على عدم جواز تخصيص بعض الأولاد بعطية، أو وصية دون بعض (١).

وقد صرح فيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بأن ذلك جور، وامتنع من أي يشهد على نحلة بشير والد النعمان، فكانت الوصية المشتملة على تخصيص بعض الورثة دون بعض حراما بهذا الحديث، فأفاد ذلك بطلان ما زعمه البدر - رحمه الله - من أن معنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " لا وصية لوارث " (٢) لا تجب وصية لوارث، فإن من جعله لبعض أولاده قسطا من ماله بالوصية دون بعض لم يسوِّ بينهم، ومن لم يسو بينهم فقد جار، ففعله جور، وكل جور حرام، ففعله حرام.

فتقرر بهذا الدليل المتواتر تفضيل بعض الورثة على بعض، بوصية أو عطية لا يجوز، ولا يحل، فهو يرد على البدر - رحمه الله - ردا واضحا إن أراد أن الوصية للوارث جائزة، سواء كانت متضمنة المخالفة للتسوية أم لا، وإن خص الجواز بما لا مخالفة للتسوية فيه فقد قرب المسافة، وقلل الخلاف، وعاد آخرا إلى ما رجحه أولا من عدم جواز الوصية [٣ب] للوارث عودا لطيفا، وبيانه أن الوصية للأولاد مثلا على وجه التسوية الموافقة لفرائض الله سبحانه؛ إذ هي المعتبرة في التسوية، ولا اعتبار بغيرها؛ لأنها ليست من باب الوصية للوارث، بل من باب قسمة التركة بينهم على فرائض الله، أو قسمة بعضها كذلك باسم الوصية، وذلك لا يوجب خلافا، ولا يقتضي نزاعا، لأنه يصدق على وصية التسوية التي هي في الحقيقة قسمة أنها موافقة لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -:" إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث " (٣).

فإذا قال الرجل في وصيته: أنه أوصى بالدار، أو بالأرض، أو بنوع من أنواع تركته أن يقسم بين أولاده على فرائض الله سبحانه، ولا وارث له غير أولئك الأولاد، فما فعل


(١) تقدم في الرسالة رقم (١٣٤).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.